الأخضر وبالعكس (١) .
ثمّ ظنّت أنّ سليمان أراد اختبار عقلها وإظهار معجزة لها ، قالت : ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ﴾ بنبوتك ﴿مِنْ قَبْلِها﴾ لدلالة غيرها من المعجزات على صدق دعواك ﴿وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ ومؤمنين بك من ذلك الوقت.
ثمّ بيّن سبحانه علّة إخفائها الايمان به قيل بقوله : ﴿وَصَدَّها﴾ ومنعها من إظهار الايمان بالله وبنبوّة سليمان قبل الوقت ﴿ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ﴾ من الشمس ، أو النّار ، وعبادتها القديمة لها.
ثمّ نبّه سبحانه على نكتة سببية عبادتها السابقة لصدّها بقوله : ﴿إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ﴾ وناشئة بين أظهرهم ، فلم يمكنها إظهار الاسلام حتى دخلت في مملكة سليمان فصارت من قوم مسلمين.
وقيل : إنّ المراد صدّها الله أو سليمان عن عبادة غير الله (٢) ، أنّها كانت قبل توفيق الله وهداية سليمان من قوم كافرين ، لا تعرف غير مذهبهم.
وقيل : إنّ قوله : ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ﴾ إلى آخره ، من كلام سليمان عليهالسلام والمؤمنين به حيث إنّهم لمّا رأوا أنّها قالت : ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾ قالوا : إنّها أصابت في الجواب ، فهي عاقلة ، وقد رزقت الاسلام (٣) .
ثمّ عطفوا على ذلك قولهم : ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ﴾ بالله وبقدرته الكاملة ( قبل علمها ) إظهارا للشكر على تقدّمهم في الاسلام عليها.
قيل : لمّا قالت الشياطين : إنّ ساقيها شعراوان وإنّ رجليها كحافر الحمار لا أصابع لها ، أمر سليمان عليهالسلام ببناء قصر صحنه من زجاج أبيض وأجرى من تحته الماء ، وألقى فيه السّموك (٤) ودوابّ البحر ، ووضع سريره في وسطه ، فجلس عليه ، وعكف عليه الطير والجنّ والإنس ، فلمّا جاءت بلقيس إلى باب القصر (٥)﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ﴾ والقصر الرفيع ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ﴾ والشمس تشرق عليه ، والماء يموج في صحنه ، والسّموك تسبح فيه ﴿حَسِبَتْهُ﴾ وتوهّمته ﴿لُجَّةً﴾ وماء قليلا يبلغ الكعبين ، أو أنصاف السوق ، أو ماء كثيرا تردّد أمواجه ، فشمّرت ذيلها ﴿وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها﴾ لئلا تبتلّ ثيابها ، فرأى سليمان عليهالسلام أنّها أحسن النساء ساقا وقدما ، خلا أنّها شعراء ﴿قالَ﴾ سليمان لها : لا تكشفي عن ساقيك ، فان ما ترينه ليس بماء ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ﴾ وقصر ﴿مُمَرَّدٌ﴾ ومسوّى ﴿مِنْ قَوارِيرَ﴾ ومصنوع من الزجاج الأبيض الصافي فوق ماء ، أو لم يكن ماء ، بل كان الزجاج الصافي شبيها بالماء.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٣٥٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٠٠.
(٣) تفسير الرازي ٢٤ : ١٩٩ و٢٠٠.
(٤) السّموك ، جمع سمك.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ٣٥٣.