الشّمس ؛ لأنّ الظلّ فيها ممدود ﴿فَوَسْوَسَ﴾ مع ذلك ﴿إِلَيْهِ الشَّيْطانُ﴾ حيث ﴿قالَ﴾ بصورة النّصح : ﴿يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ﴾ حتى تأكل منها فتدوم حياتك وراحتك ﴿وَ﴾ على ﴿مُلْكٍ﴾ وسلطنة ﴿لا يَبْلى﴾ ولا يزول ، فيدوم انتظام معيشتك ، فكأنّه قال آدم : نعم ، فدلّه على الشجرة المنهيّة ، فقرب هو وزوجته تلك الشجرة ﴿فَأَكَلا مِنْها﴾ طمعا في ما وعدهما الشّيطان ، فهبّت ريح فألقت التاج من رأسهما ، واختطفت الحلل من جسدهما ﴿فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما﴾ وظهرت في نظرهما عوراتهما لعصيانهما نهي ربّهما ﴿وَطَفِقا﴾ وشرعا ﴿يَخْصِفانِ﴾ ويلزقان ﴿عَلَيْهِما﴾ للسّتر ﴿مِنْ وَرَقِ﴾ تين ﴿الْجَنَّةِ.﴾
قيل : كان ورق التّين مدوّرا ، فصار بهذا الشكل من أصابعهما (١) .
﴿وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ﴾ وخالف عهده ﴿فَغَوى﴾ وضلّ عن مطلوبه ، وهو الخلود أو التّباعد من الشجرة المنهيّة ﴿ثُمَّ اجْتَباهُ﴾ واصطفاه ﴿رَبُّهُ﴾ بالتّوفيق للتّوبة ﴿فَتابَ عَلَيْهِ﴾ وقبل توبته وتوبة زوجته حين تابا إليه ﴿وَهَدى﴾ هما إلى الثّبات على التوبة والتمسّك بالعصمة ، ثمّ عاتب سبحانه آدم عليهالسلام والشيطان و﴿قالَ﴾ لهما : اخرجا من الجنّة و﴿اهْبِطا﴾ وانزلا إلى الأرض ﴿مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ.﴾
ثمّ خاطب ذرّيّة آدم بقوله : ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً﴾ من رسول وكتاب ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ﴾ وأطاع رسولي وعمل بديني وكتابي ﴿فَلا يَضِلُ﴾ عن الصّراط ودين الحقّ أبدا ﴿وَلا يَشْقى﴾ في الآخرة بالابتلاء بالعقوبة.
وقيل : إنّ الخطاب في قوله : ﴿اهْبِطا﴾ لآدم وحوّاء وقوله : ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ وما بعده لذريّتهما (٢) .
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي﴾ والرسول المبعوث من قبلي ، والكتاب المنزل منّي ﴿فَإِنَّ لَهُ﴾ في الدنيا ، أو في القبر ، أو فيها وفي الآخرة ﴿مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾ وضيقا وذات شدّة ، أمّا في الدنيا فإنّه - ولو كان ذا ثروة ومال - مشغول القلب بجمعه وحفظه ، ومتالم دائما ممّا يرد عليه ، وحريص على ازدياده وخائف من نقصه ، وأمّا في الآخرة فإنّ مأواهم جهنّم ، طعامهم فيها زقّوم وضريع ، وشرابهم حميم وصديد.
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : « المعيشة الضّنك عذاب القبر وضغطته » (٣) . وقيل : هو الكسب الحرام (٤) . وقيل : إنّه ضيق أبواب الخيرات عليه (٥) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٤٣٧.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ١٢٩.
(٣ و٤) مجمع البيان ٧ : ٥٥.
(٥) تفسير الرازي ٢٢ : ١٣١.