الجاه والنّعم ، واجترأوا على الصدع بالحقّ من غير خوف وحذر (١) من بأس دقيانوس الجبّار ﴿إِذْ قامُوا﴾ بين يديه ﴿فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وحده ﴿لَنْ نَدْعُوَا﴾ أو لا نعبد أبدا ﴿مِنْ دُونِهِ إِلهاً﴾ ومعبودا آخر ، لا استقلالا ولا اشتراكا ، فأمّا إن قلنا بألوهية غيره ﴿لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً﴾ وقولا متجاوزا عن حدود العقل.
قيل : إنّ دقيانوس لمّا رأى تمرّدهم أمر أن ينزع منهم الحلل وقال : أنتم شبّان ليس لكم كثير سنّ ولا تجربة ، وإنّي أمهلكم أيّاما قلائل لكي تتفكّروا في صلاحكم من طاعتي ومخالفتي ، فخرج الملك من البلد فاغتنم الفتية الفرصة (٢) ، وقالوا : ﴿هؤُلاءِ قَوْمُنَا﴾ وأهل بلدنا أعرضوا عن الله و﴿اتَّخَذُوا﴾ لأنفسهم ﴿مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ وعبدوا الأصنام لفرط جهلهم وغاية ضلالهم ، مع أنّ الألوهيّة لا بدّ لها من دليل قاطع ، وهؤلاء القوم الذين يعبدون الأصنام ﴿لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ﴾ ولم لا يقيمون على صحّة عبادتهم حجّة واضحة ؟ ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً﴾ بنسبة الشّرك إليه.
عن مجاهد في تفسير قوله تعالى : ﴿قامُوا﴾ قال : إنّهم كانوا عظماء مدينتهم ، فخرجو فاجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد ، فقال رجل منهم أكبر القوم : إنّي لأجد في نفسي شيئا ما أظنّ أحدا يجده.
قالوا : ما تجد ؟ قال : أجد في نفسي أنّ ربّي ربّ السماوات والأرض (٣) .
وقيل : إنّهم قالوا ذلك عند قيامهم من النوم في الكهف (٤) .
وعن الصادق عليهالسلام : « أنّ أصحاب الكهف والرّقيم كانوا في زمان ملك جبّار عات ، وكان يدعو أهل مملكته إلى عبادة الأصنام ، وكانوا هؤلاء قوما مؤمنين يعبدون الله عزوجل ووكّل الملك بباب المدينة وكلاء ، ولم يدع أحدا يخرج حتى يسجد للأصنام ، فخرج هؤلاء بعلّة الصيد » (٥) .
وعنه عليهالسلام أيضا : « خرج أصحاب الكهف على غير معرفة ولا ميعاد ، فلمّا صاروا في الصحراء أخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق ، فأخذ هذا على هذا ، وهذا على هذا ، ثمّ قالوا : أظهروا أمركم ، فأظهروه فإذا هم على أمر واحد » (٦) .
وعنه : « ما بلغت تقيّة أحد تقيّة أصحاب الكهف ، إنّهم كانوا يشهدون الأعياد ، ويشدو الزنانير (٧) ، فأعطاهم الله أجرهم مّرتين » (٨) .
__________________
(١) في النسخة : وحذار.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢١٩.
(٣) تفسير الرازي ٢١ : ٩٧.
(٤) تفسير الرازي ٢١ : ٩٨.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٣٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٢.
(٦) تفسير العياشي ٣ : ٨٨ / ٢٦٣٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٥.
(٧) الزّنانير : جمع زنّار ، وهو شيء يشدّه الذمّي على وسطه.
(٨) تفسير العياشي ٣ : ٨٩ / ٢٦٣٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٣٤.