عن الباقر عليهالسلام : « هو الميزان الذي له لسان » (١) . ﴿ذلِكَ﴾ الايفاء بالكيل والوزن ﴿خَيْرٌ﴾ لكم في الدنيا ؛ لأنّه موجب لرغبة الناس في معاملتكم ، ولذكركم بالجميل في الناس ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ وعاقبة في الآخرة.
ثمّ لمّا نهى سبحانه عن قتل النفوس وإتلاف أموال اليتيم ، وأمر بتأدية حقوق الناس ، نهى عن إتلاف نفوسهم وأموالهم وأعراضهم بالقول بقوله : ﴿وَلا تَقْفُ﴾ ولا تقل ، كما عن القمي (٢)﴿ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ عن محمد ابن الحنفية : يعني شهادة الزور (٣) . وعن ابن عباس : يعني لا تشهد إلّا بما رأته عيناك وسمعته اذناك ، ووعاه قلبك (٤) .
وقيل : إن المراد [ منه : النهي عن ] القذف ورمي المحصنين والمحصنات بالأكاذيب (٥) .
وقيل : المراد النهي عن الكذب. وقيل : إنّ المراد النهي عن البهتان (٦) .
وعن القمي : لا ترم أحدا بما ليس لك به علم ، قال رسول الله : « من بهت مؤمنا أو مؤمنة أقيم في طينة خبال ، أو يخرج ممّا قال » (٧) . قيل : إنّ طينة خبال صديد جهنّم.
وقيل : إنّ المراد مطلق القول بما لا علم به ، سواء أكان على الله ، أو على الناس. وقيل : إنّ المعنى لا تتبع ما لا تعلم.
واستدلّ جماعة بهذه الآية بناء على حرمة العمل بالظنّ والخبر غير العلمي في الأحكام الشرعية ، وفيه أنّه صحيح لو لم يكن على حجيتهما دليل قطعي ، وإلّا كان العمل بهما عملا بالعلم ، أو كان عموم النهي مخصصا به.
ثمّ هدّد الله على القول أو العمل بغير العلم بقوله : ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُ﴾ واحد من ﴿أُولئِكَ﴾ الأعضاء التي رئيسها الفؤاد ﴿كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً﴾ في القيامة ، فيشهد بأعمالكم ومعاصيكم ، فلا تستطيعون ردّها ، فانّ جميع الأعضاء في الآخرة حيّة بحياة مستقلة شاعرة ناطقة ، كما قال تعالى : ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾(٨) .
عن الصادق عليهالسلام : في هذه الآية : « يسأل السمع عمّا سمع ، والبصر عمّا نظر إليه ، والفؤاد عمّا عقد عليه » (٩) .
وعنه عليهالسلام ، قال له رجل : إنّ لي جيرانا ولهم جوار يتغنّين ويضربن بالعود ، فربما دخلت المخرج
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ١٩ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٢.
(٢) تفسير القمي ٢ : ١٩ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٢.
(٣-٥) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٠٧.
(٦) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٠٨.
(٧) تفسير القمي ٢ : ١٩ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٢.
(٨) النور : ٢٤ / ٢٤.
(٩) تفسير العياشي ٣ : ٧٥ / ٢٥١٩ ، الكافي ٢ : ٣١ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٢.