وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٣٧) و (٤٠)﴾
ثمّ هدّد سليمان بلقيس وقومها على امتناعهم عن طاعته بقوله : ﴿ارْجِعْ﴾ أيها الرسول المبعوث من قبل ملكة سبأ وقومها ﴿إِلَيْهِمْ﴾ وأخبرهم أنّي لا انخدع بالهدايا والتّحف ، بل اريد منهم الطاعة والانقياد ، فان أطاعوني واستسلموا لي وإلّا ﴿فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ﴾ من الجنّ والإنس ﴿بِجُنُودٍ﴾ عظيمة ﴿لا قِبَلَ﴾ ولا طاقة ﴿لَهُمْ﴾ للمقاومة ﴿بِها﴾ أصلا ﴿وَ﴾ والله ﴿لَنُخْرِجَنَّهُمْ﴾ من مملكتهم ولنجلينّهم ﴿مِنْها﴾ حال كونهم ﴿أَذِلَّةً﴾ بعد كونهم أعزّة ﴿وَهُمْ صاغِرُونَ﴾ ومستحقرون بالأسر والإجلاء بعد كونهم معظّمون.
القمي : فرجع إليها الرسول فأخبرها (١) بردّ الهدية وثقب الدرّة وسلك الخيط في الخرزة ، وعظمة حشمة سليمان وكمال قدرته ، فعلمت أنّه لا محيص لها من الانقياد والتسليم ، فبعثت إلى سليمان :
أنّي قادمة إليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك ، ثمّ جعلت عرشها في بيت وقفلت أبوابه ، وجعلت عليه حراسا ، وأخذت مفتاح البيت عند نفسها ، ثمّ توجّهت مع عسكرها نحو سليمان.
قيل : كان لها اثنا عشر ألف ملك كبير ، تحت كلّ ملك الوف كثيرة ، وكان سليمان عليهالسلام رجلا مهيبا لا يبدأ بشيء حتى يسأل عنه ، فجلس يوما على سريره ، فرأى جمعا جمّا على فرسخ عنه ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : بلقيس بملوكها وجنودها ، فأقبل سليمان عليهالسلام على أشراف قومه ، وقيل : حين علم بمسيرها إليه (٢)
﴿قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها﴾ من بلدة مأرب ، ويحضره لديّ في مكاني هذا ﴿قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي﴾ حال كونهم ﴿مُسْلِمِينَ﴾ ومنقادين ، أو مؤمنين.
أقول : لعلّه عليهالسلام أراد من إحضاره عنده إراءتها معجزة اخرى أوّل ورودها عليه ، لتكون في إيمانها على بصيرة كاملة ، أو أراد اختبار عقلها وفطانتها بعد تنكيره عرشها عندها ، لينظر أنّها تعرفه أو تنكره.
قيل : ذلك لأنّ الجنّ قدحوا فيها بنقص العقل لئلا يتزوّجها (٣) . وقيل : إنّه أراد تملّك عرشها قبل إيمانها لاحترام مالها بعده (٤) .
﴿قالَ﴾ ذكوان ، أو كوذي ، أو اصطخر ، وهو ﴿عِفْرِيتٌ﴾ ومارد خبيث ﴿مِنَ﴾ شياطين ﴿الْجِنِ﴾ قيل : كان رئيسهم ، وكان قبل ذلك متمرّدا على سليمان عليهالسلام ، وكان كالجبل العظيم يضع قدمه عند
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ١٢٨ ، تفسير الصافي ٤ : ٦٦.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٣٤٨.
(٣) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٠١ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٢٨٩.
(٤) تفسير الرازي ٢٤ : ١٩٧ ، وفيه : قبل إسلامها لعلمه أنها إذا أسلمت لم يحل له أخذ مالها.