قصة إلقاء إبراهيم عليهالسلام في النّار
ثم لمّا اتّفقوا على إحراقه ، حبسه نمرود وبنى بنيانا كالحظيرة ، واهتمّ الناس بجمع الحطب ، حتى إنّ المرأة لو مرضت نذرت إن عافاها الله منه جمعت الحطب لإبراهيم ، وكانوا على ذلك أربعين يوما.
وروي أنّ الدوابّ امتنعت من حمل الحطب إلّا البغال ، فعاقبها الله بأن أعقمها (١) .
قيل : صبّوا على الحطب دهنا كثيرا ، ثمّ أضرموا فيه النّار ، وأوقدوها سبعة أيّام ، فلمّا اشتعلت النّار صار الهواء بحيث لو مرّ الطير في أقصى الجوّ لاحترق (٢) .
روي أنّهم لم يعلموا كيف يلقون إبراهيم عليهالسلام فيها لعدم إمكان قربهم منها ، فجاء إبليس في صورة شيخ وعلّمهم عمل المنجنيق (٣) .
وقيل : تمثّل لهم في صورة نجّار فصنعه لهم ، ثمّ نصبوه على رأس الجبل ، ووضعوا إبراهيم عليهالسلام فيه مقيّدا مغلولا ، فصاحت الّسماء والأرض ومن فيهما إلّا الثقلين صيحة واحدة : أي ربّنا ما في أرضك أحد يعبدك غير إبراهيم ، وهو يحرق فيك ! فأذن لنا في نصرته. فقال تعالى : إن استعان بأحد منكم لينصره ، فقد أذنت له في ذلك ، وإن لم يدع غيري فأنا أعلم به وأنا وليّه ، فخلّوا بيني وبينه ، فإنّه خليلي ليس لي خليل غيره ، وأنا إلهه ليس له إله غيري.
فلمّا أرادوا إلقاءه في النّار أتاه خازن الرّياح فقال : إن شئت طيّرت النار في الهواء ، وأتاه خازن المياه وقال : إن أردت أخمدت النار. فقال إبراهيم عليهالسلام : لا حاجة لي إليكم ، ثمّ رفع رأسه إلى السّماء فقال : أنت الواحد في السّماء وأنا الواحد في الأرض ، ليس في الأرض من يعبدك غيري ، حسبي الله ونعم الوكيل.
وأقبلت الملائكة فلزموا كفّة المنجنيق ، فرفعه أعوان نمرود ، فلم يرتفع. فقال لهم إبليس : أتحبّون أن يرتفع ؟ قالوا : نعم. قال : ائتوني بعشر نسوة ، فأتوا بهنّ ، إلى أن قال : فمدّت الأعوان المنجنيق ، وذهبت الملائكة ، فلمّا القي في النار قال : لا إله إلّا أنت سبحانك ربّ العالمين ، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك (٤) .
وروي أنّ جبرئيل أدركه في الهواء ، وقال : هل لك حاجة ؟ فقال : أمّا إليك فلا ، فقال : سل ربّك حاجتك. قال : حسبي من سؤالي علمه بحالي. فأخبر سبحانه عن إجابته له بقوله : ﴿قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ﴾(٥) .
__________________
(١-٣) تفسير روح البيان ٥ : ٤٩٧.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٤٩٧.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٤٩٨.