نقل أنّ معاويّة مرّ بالكهف فقال : لو كشف عن هؤلاء فنظرنا إليهم ، فقال ابن عبّاس له : ليس لك ذلك ، قد منع الله من هو خير منك. فقال : ﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ﴾ الآية ، فقال معاوية : لا أنتهي حتى أعلم. فبعث أناسا وقال لهم : اذهبوا فانظروا ، فلمّا دخلوا الكهف جاءت ريح فأخرجتهم (١) .
ثمّ قيل : إنّه مات دقيانوس وانقضى ملكه ، وتعاقبت ملوك كثيرة بعده إلى أن وصل الملك إلى رجل يقال له تندروس ، وكان مؤمنا صالحا ، واختلف أهل مملكته في صحة الحشر ، وأنكره أكثرهم ، كلّما نصحهم الملك لم يقبلوا. فأراد الله أن يقيم لهم دليلا على الحشر ، فايقظ أصحاب الكهف (٢) .
فحكى الله سبحانه ذلك لأمّة محمّد صلىاللهعليهوآله تأكيدا للحجّة عليهم بقوله : ﴿وَكَذلِكَ﴾ الإنامة لأصحاب الكهف في المدّة الطويلة ، مع حفظ أجساهدهم وثيابهم من البلى ﴿بَعَثْناهُمْ﴾ وأيقظناهم من نومهم ﴿لِيَتَساءَلُوا﴾ فيما ﴿بَيْنَهُمْ﴾ وكان تساؤلهم أن ﴿قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ﴾ وهو رئيسهم يقال له مكشلينا أو مكسلمينا ، أو تمليخا ، كما عن ابن عباس (٣) للفتية لما رأى من طول شعورهم وأظفارهم : ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ في النوم يا أصحابي ؟ فأجاب الآخرون و﴿قالُوا﴾ نظرا إلى أنّ دخولهم في الكهف كان أوّل النّهار وحسبانهم الوقت آخره : ﴿لَبِثْنا يَوْماً﴾ فلمّا رأوا أنّ الشمس لم تغرب بعد قالوا : ﴿أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ وقيل : إنّهم انتبهوا حين ارتفاع الشمس فقالوا : إن نمنا أمس كانت مدّة نومنا يوما ، وإن نمنا في اليوم كانت مدّته بعض يوم ، فلمّا رأى بعضهم أمارات طول المدّة ، من طول الشعر والأظفار ولا يمكنهم تعيينها (٤)﴿قالُوا﴾ أعرضوا عن البحث ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ﴾ واشتغلوا بما يهمّكم ، فإن تريدون قوت اليوم ﴿فَابْعَثُوا﴾ وأرسلوا ﴿أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ﴾ والفضّة المضروبة ﴿هذِهِ﴾ التي عندكم ﴿إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ التي كنّا فيها ﴿فَلْيَنْظُرْ﴾ المبعوث في أهل المدينة من بائعي الطّعام ﴿أَيُّها﴾ ومن يكون فيها ﴿أَزْكى﴾ وأطيب وأجلّ ﴿طَعاماً﴾ ومأكولا ﴿فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ﴾ وقوت تقومون به ﴿مِنْهُ﴾
قيل : كان في زمان كون الفتية في المدينة جماعة مؤمنون يكتمون إيمانهم ، وكانت ذبيحتهم محلّلة (٥) ، وكان غرضهم الشراء منهم.
﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ وليبالغ في الاختفاء وعدم التعرّف ، من حين الدخول في المدينة إلى الخروج منها ﴿وَلا يُشْعِرَنَ﴾ البتة ﴿بِكُمْ﴾ ذلك المبعوث ﴿أَحَداً﴾ من أهل المدينة ؛ لأنّه إن عرفكم واحد منهم شاع خبركم فيها.
__________________
(١) تفسير البيضاوي ٢ : ٧ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٢٧ ، وفيهما : ريح فأحرقتهم.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢٢٨.
(٣) تفسير الرازي ٢١ : ١٠٣ ، وفيه : يمليخا.
(٤) تفسير البيضاوي ٢ : ٧.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٢٢٩.