والقيامة آتية ﴿لا رَيْبَ فِيها﴾ ولا مجال للشّك في وقوعها ، اذكر يا محمّد ﴿إِذْ﴾ الناس ﴿يَتَنازَعُونَ﴾ فيما ﴿بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ﴾ وفي تدبير إخفاء مكانهم ﴿فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ﴾ وعلى باب كهفهم ﴿بُنْياناً﴾ وجدارا يمنع من تطرّق الناس إليهم ، ومن إطّلاع النّاس على مكانهم ﴿رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾ وبشأنهم ، لا حاجة إلى إطّلاع الغير بمكانهم.
وقيل : إنّ الكفار قالوا : إنّهم منّا فابنوا عليهم صومعة (١) . ثمّ قال سبحانه : ﴿رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾ منهم ، فتكون الجملة معترضة.
﴿قالَ﴾ الملك والمؤمنون ﴿الَّذِينَ غَلَبُوا﴾ واطّلعوا ﴿عَلى أَمْرِهِمْ﴾ وحالهم : والله ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ﴾ ونبنينّ على باب كهفهم ﴿مَسْجِداً﴾ يصلّي فيه المسلمون ، ويتبرّكون بمكانهم. وقيل : إنّ كلمة ( إذ ) متعلّقة بأعثرنا ، والمعنى : أعثرنا عليهم حين يتنازعون في أمر البعث (٢) .
روي أنّ ملك ذلك الوقت كان ينكر البعث إلّا أنّه مع كفره كان منصفا ، فجعل الله أمر الفتية دليلا للملك (٣) . وقيل : بل اختلفت الأمّة في ذلك الزمان ، فقال بعضهم : الجسد والروح يبعثان ، وقال آخرون : الروح تبعث ، وأمّا الجسد فتأكله الأرض (٤) .
وروي أنّ قوم تندروس لمّا اختلفوا في البعث مقرّين وجاحدين ، دخل الملك بيته وأغلق بابه ، ولبس مسحا (٥) ، وجلس على رماد ، وسأل ربّه أن يظهر الحقّ ، فألقى الله في قلب رجل من الرّعاة ، فهدّ السدّ الذي بناه دقيانوس على باب الكهف لإهلاك الفتية ليتّخذ حظيرة لغنمه ، فعند ذلك بعثهم الله تعالى. فلمّا انتشر خبرهم واطّلع عليهم الملك وأهل المدينة مسلمهم وكافرهم ، كلّموهم وحمدوا الله على الآية الدالّة على البعث.
ثم قالت الفتية للملك : نستودعك الله ونعيذك به من شرّ الجن والإنس ، ثمّ رجعوا إلى مضاجعهم فناموا وماتوا ، فألقى الملك عليهم ثيابه ، وأمر فجعل لكلّ واحد تابوتا من ذهب ، فرآهم في المنام كارهين للذّهب فجعلها من الساج ، وبنى على باب الكهف مسجدا (٦) .
وقيل : إنّهم كانوا يتنازعون في أنّ أصحاب الكهف ماتوا بعد العود إلى الكهف ، أو ناموا كنومهم السابق ؟ (٧) وقيل : يتنازعون في أنّهم على أيّ دين ؟ قال الكفّار : إنّهم كانوا على ديننا ، فنبني عليهم بنيانا ، وقال المؤمنون : إنّهم على ديننا ونتّخذ عليهم مسجدا. وقيل : إنّ التنازع كان في مدّة لبثهم. وقيل : في عددهم ، وأسمائهم ، وأحوالهم ، ومدّة لبثهم ، فلمّا لم يهتدوا إلى شيء منه قالوا : ربّهم أعلم بهم. وقيل :
__________________
(١ - ٤) تفسير الرازي ٢١ : ١٠٥.
(٥) المسح : الكساء من شعر.
(٦) تفسير روح البيان ٥ : ٢٣٢.
(٧) تفسير الرازي ٢١ : ١٠٥.