﴿الْحُوتَ﴾ على الصخرة ، أو نسيت أن أذكر لك أمره وما شاهدت من العجب ، وهو أنّه حيي واضطرب ووقع في الماء.
قيل : إنّ علّة نسيانه - وإن كان أمره من شدّة غرابته ممّا لا ينسى اعتياده مشاهدة أمثال ذلك من موسى عليهالسلام ، فقلّ اهتمامه به ، أو استغراقه في أنوار جمال الالوهيّة وانجذاب شراشره (١) إلى جناب قدس الربوبية (٢) .
ثمّ لمّا كان نسيانه ذلك سببا لتجاوز موسى عليهالسلام من ذلك المكان وارتفاعه في التعب ، اعتذر إليه بقوله : ﴿وَما أَنْسانِيهُ﴾ شيء ﴿إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ لك واخبرك به ﴿وَاتَّخَذَ﴾ الحوت ﴿سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ﴾ سبيلا أو اتخاذا ﴿عَجَباً.﴾
قيل : إنّ وجه التعجّب حياته بعد الموت والتّشويه ، وانقلابه من المكتل ، وإلقاء نفسه في البحر ، وجعل الله تعالى الماء على الحوت كالطاق والسّرب (٣) . وإنّما نسب يوشع النسيان إلى الشيطان لكونه نقصا أو لإظهار هضم النفس.
وقيل : إنّ بعد إخبار يوشع بأمر الحوت ﴿قالَ﴾ موسى : عجبا ﴿ذلِكَ﴾ الذي ذكرت من أمر الحوت (٤)﴿ما كُنَّا نَبْغِ﴾ ونطلب لكونه أمارة الفوز بالمقصود من لقاء الخضر ﴿فَارْتَدَّا﴾ ورجعا من مكانهما إلى مكان الصخرة ﴿عَلى آثارِهِما﴾ وطريقهما الذي جاءا منه ، وهما يقصّان ﴿قَصَصاً﴾ ويتفحّصان تفحّصا عن أثرهما وطريقهما إلى المكان الذي نسيا فيه الحوت ، فأتيا الصخرة ﴿فَوَجَدا﴾ عندها ﴿عَبْداً﴾ عظيم الشّأن ﴿مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ﴾ الوحي والنبوّة اللّتين تكونان ﴿رَحْمَةً﴾ وتفضّلا ﴿مِنْ عِنْدِنا.﴾
وقيل : إنّ الصوفية قالوا : إنّ المراد من الرحمة طول العمر لا النبوّة (٥) . وقيل : إنّه كان نبيّا ولم يكن مرسلا (٦)﴿وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾ خاصّا بنا وهو علم الغيب.
أقول : ذهب الأكثرون إلى أنّه الخضر ، كما في الروايات السابقة ؛ وإنّما سمّي خضرا لأنّه لا يقف موقفا إلّا اخضرّ ذلك الموضع (٧) .
عن الصادق عليهالسلام : « إنّ الخضر كان نبيّا مرسلا ، بعثه الله إلى قومه ، فدعاهم إلى توحيده ، والإقرار
__________________
(١) الشّراشر : النفس ، والمحبّة ، وقيل : جميع الجسد ، يقال : ألقى عليه شراشره ، أي نفسه حرصا ومحبّة.
(٢) تفسير البيضاوي ٢ : ١٧ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٦٦.
(٣) تفسير الرازي ٢١ : ١٤٧ ، والسّرب : الطريق. والسّرب : حفير تحت الأرض لا منفذ له ، والقناة الجوفاء.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٢٦٧.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٢٧٠.
(٦) تفسير روح البيان ٥ : ٢٦٨.
(٧) تفسير الرازي ٢١ : ١٤٩.