النّهر ، واخضرار النّخلة اليابسة ، وإثمارها قبل وقتها.
قيل : إنّ المنادي كان جبرئيل (١) ، فإنّه كان لها كالقابلة.
قيل : إنّما قدّم الأكل لكون حاجتها إليه أشدّ (٢) ، وأخّر تأمينه عن الخوف لقلّته ببشارة جبرئيل ، وإنّما جاء رزقها في المحراب من الجنّة حال طفوليّتها لعدم تعلّق قلبها بشيء هنالك ، وامرت بهزّ النخلة هنا لعلاقتها بالولد ، وإنّما امرت بهزّ النخلة لأنّها تعجّبت من وجود الولد بلا فحل ، فأراها الله الرّطب من النخلة اليابسة لأنّها لا تثمر إلّا بالتّأبير (٣) من لقاح الذّكر.
في الحديث : « إذا ولدت امرأة فليكن أوّل ما تأكل الرّطب ، فإن لم يكن رطب فتمر ، فإنّه لو كان شيء أفضل منه لأطعمه الله تعالى مريم بنت عمران حين ولدت عيسى » (٤) .
قيل : إنّ الله أرسل الملائكة ليكونوا عند مريم حين ولادة عيسى عليهالسلام ، فلمّا تولّد حفّوا به وقمّطوه في حرير الجنّة ، ووضعوه عند مريم (٥) .
ثمّ علّمها عيسى عليهالسلام طريق التخلّص من اعتراض بني إسرائيل عليها بقوله : ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً﴾ وإن رأيت من الآدميّين شخصا اعترض عليك ﴿فَقُولِي﴾ في جوابه بالاشارة : ﴿إِنِّي﴾ لا أتكلّم ولا اجيبك لأنّي ﴿نَذَرْتُ﴾ وجعلت على نفسي أن أصوم ﴿لِلرَّحْمنِ صَوْماً﴾ وإمساكا من الكلام ، أو منه ومن غيره من المفطرات ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ قيل : كان صيام عبّاد بني إسرائيل الإمساك من الطعام والكلام ، وقد نسخ في هذه الأمّة (٦) .
عن الصادق عليهالسلام : « أنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده » ثمّ قال : « قالت مريم : ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً﴾ أي صمتا ، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم ، وغضّوا أبصاركم » (٧) . ثمّ احتضنت مريم ولدها ، ورجعت إلى بيت المقدس.
﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها﴾ عن ابن عبّاس : أنّ مريم خرجت من عندهم حين أشرقت الشمس ، وجاءتهم عند الظهر ومعها صبيّ (٨)﴿تَحْمِلُهُ﴾ روي أنّ زكريّا افتقد مريم ، فلم يجدها في محرابها ، فاغتمّ غمّا شديدا ، وقال لابن خالها يوسف : اخرج في طلبها ، فخرج يقتصّ أثرها حتى لقيها تحت النخلة ، فلمّا رجعت إلى قومها ، وهم أهل بيت صالحون ، وزكريّا جالس معهم ، بكوا وحزنوا (٩) و﴿قالُوا﴾ توبيخا
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ٢٠٤.
(٢) تفسير الرازي ٢١ : ٢٠٦.
(٣) أبّر النخل : لقحه وأصلحه.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٣٢٨.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٣٢٨.
(٦) تفسير روح البيان ٥ : ٣٢٨.
(٧) الكافي ٤ : ٨٧ / ٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٩.
(٨) تفسير روح البيان ٥ : ٣٢٩.
(٩) تفسير روح البيان ٥ : ٣٢٩.