زكريّا في جوف اللّيل إلى خارج بيت المقدس على ما قيل (١) . أو من دمشق إلى كربلاء ، كما عن السجّاد عليهالسلام (٢) . فأخذها الطّلق ﴿فَأَجاءَهَا﴾ وألجأها ﴿الْمَخاضُ﴾ ووقع الولادة ﴿إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ اليابسة لتستتر بها وتعتمد عليها عند الولادة ، إذ لم يكن لها قابلة تعينها ، أو لإظهار المعجزة في الجذع ، وهو ما بين العرق والغصن ، وكان مجيئها إلى الجذع بإلهام الله.
القمي : كان ذلك اليوم سوق ، فاستقبلها الحاكة ، وكانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان ، فاقبلوا على بغال شهب ، فقالت لهم مريم : أين النّخلة اليابسة ؟ فاستهزءوا بها وزجروها. فقالت لهم : جعل الله كسبكم بورا ، وجعلكم في النّاس عارا ؛ ثمّ استقبلها قوم من التجّار فدلّوها على النخلة اليابسة ، فقالت لهم : جعل الله البركة في كسبكم ، وأحوج النّاس إليكم ؛ فلمّا بلغت النّخلة أخذها المخاض فوضعت بعيسى ، فلمّا نظرت إليه ﴿قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا﴾(٣) الأمر ، أو هذا اليوم ، أو هذا الحمل ﴿وَكُنْتُ نَسْياً﴾ وشيئا من حقّه أن يطرح لحقارته ودناءته كخرقة الطمث و﴿مَنْسِيًّا﴾ عند النّاس لا يذكرني أحد.
قيل : إنّما قالت ذلك كي لا يقع أحد في المعصية ، للتكلّم فيها ، وإلّا فإنّها كانت راضية مسرورة بوقوع ما بشّرت به (٤) .
والقمي : ﴿قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا﴾ ماذا أقول لخالتي (٥) ، ولبني إسرائيل (٦) ؟ ﴿فَناداها﴾ عيسى ﴿مِنْ تَحْتِها﴾ ومن مكان أسفل منها ، أو من تحت النّخلة تطييبا لقلبها وإزالة للوحشة عنها : ﴿أَلَّا تَحْزَنِي﴾ بسبب ولادتي وقحط الطعام والشراب ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ﴾ وفي مكان أسفل منك ﴿سَرِيًّا﴾ ونهرا صغيرا جاريا.
عن ابن عبّاس : أنّ جبرئيل ضرب برجله الأرض ، فظهرت عين ماء عذب ، فجرى جدولا (٧) .
وقيل : إنّ السريّ سيّد القوم وشريفهم (٨)﴿وَهُزِّي﴾ واجذبي ﴿إِلَيْكِ﴾ ونحوك ﴿بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ التي فوق رأسك ﴿تُساقِطْ عَلَيْكِ﴾ إسقاطا متواترا ﴿رُطَباً جَنِيًّا﴾ طريّا ، أو صالحا للاجتناء. قيل : كان من العجوة ، وهي أفضل التمر (٩)﴿فَكُلِي﴾ يا مريم من الرّطب ﴿وَاشْرَبِي﴾ من ماء السّريّ ﴿وَقَرِّي عَيْناً﴾ وطيبي نفسا ، وارفضي عنك ما أحزنك وأهمّك ، فإنّ الله نزّه ساحتك بالخوارق : من جري
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٣٢٦.
(٢) التهذيب ٦ : ٧٣ / ١٣٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٧.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٤٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٨.
(٤) تفسير الرازي ٢١ : ٢٠٣.
(٥) في المصدر : لخالي.
(٦) تفسير القمي ٣ : ٤٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٨.
(٧) تفسير أبي السعود ٥ : ٢٦٢ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٢٧.
(٨) تفسير أبي السعود ٥ : ٢٦٢ ، جوامع الجامع : ٢٧٣.
(٩) تفسير روح البيان ٥ : ٣٢٨.