إليها خالتها فانكرتها ، ومضت مريم على وجهها مستحيية من خالتها ومن زكريّا » (١) .
وعنه عليهالسلام : « أنّ مريم حملت بعيسى تسع ساعات » (٢) .
﴿فَانْتَبَذَتْ﴾ مريم واعتزلت من أهلها وعيسى في بطنها وتباعدت ﴿بِهِ مَكاناً قَصِيًّا﴾ وموضعا بعيدا من قومها.
روى بعض العامة عن وهب : أنّ مريم لمّا حملت بعيسى عليهالسلام كان معها ابن عمّ لها يقال له يوسف النجّار ، وكانا منطلقين إلى المسجد الذي عند جبل صهيون ، وكانا يخدمان ذلك المسجد ، ولا يعلم في زمانهما أحد أشدّ اجتهادا وعبادة منهما ، وأوّل من عرف حمل مريم يوسف ، فتحيّر في أمرها ، فكلّما أراد أن يتّهمها ذكر صلاحها وعبادتها وأنّها لم تغب عنه ساعة قطّ ، وإذا أراد أن يبرّءها رأى الذي ظهر منها من الحمل ، فأوّل ما تلكّم أن قال : إنّه وقع في قلبي من أمرك شيء ، وقد حرصت على كتمانه ، فغلبني ذلك ، فرأيت أنّ الكلام فيه أشفى لصدري. فقالت : قل قولا جميلا. قال : أخبريني - يا مريم - هل ينبت زرع بغير بذر ؟ وهل تنبت شجرة بغير غرس ؟ وهل يكون ولد من غير ذكر ؟ قالت: نعم ، ألم تعلم أنّ الله أنبت الزّرع يوم خلقه من غير بذر ، وهذا البذر إنّما حصل من الزرع الذي أنبته من غير بذر. ألم تعلم أنّ الله تعالى أنبت الشجر من غير غيث ، وبالقدرة جعل الغيث حياة الشّجر بعدما خلق كلّ واحد منهما على حدة ؟ أو تقول أنّ الله لا يقدر على أن ينبت الشجرة حتى استعان بالماء ، ولو لا ذلك لم يقدر على إنباتها ؟
فقال يوسف : لا أقول هذا ، ولكنّي أقول : إنّ الله قادر على ما يشاء ، فيقول له كن فيكون. فقالت له مريم : ألم تعلم أنّ الله خلق آدم وامرأته من غير ذكر ولا انثى ؟ فعند ذلك زالت التّهمة عن قلبه ، وكان ينوب عنها في خدمة المسجد لاستيلاء الضّعف عليها بسبب الحمل وضيق القلب ، فلمّا دنا نفاسها أوحى الله إليها أن اخرجي من أرض قومك لئلّا يقتلوا ولدك ، فاحتملها يوسف إلى أرض [ مصر ] على حمار له ، فلمّا بلغت تلك البلاد أدركها النّفاس ، فألجأها إلى أصل نخلة ، وذلك في زمان برد ، فاحتضنتها فوضعت عندها (٣) .
وقيل : إنّها استحيت من زكريّا ، فذهبت إلى مكان بعيد ، لا يعلم بها زكريا (٤) .
وقيل : إنّها خافت من قومها على ولدها (٥) . وعلى أيّ تقدير خرجت من بين قومها ، أو من منزل
__________________
(١) مجمع البيان ٦ : ٧٨٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٧.
(٢) الكافي ٨ : ٣٣٢ / ٥١٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٧.
(٣) تفسير الرازي ٢١ : ٢٠١.
(٤ و٥) تفسير الرازي ٢١ : ٢٠٢.