على الجواب ؟ فلمّا سمع عيسى عليهالسلام منهم ذلك ترك الرّضاع ، واتّكا على يساره ، وأشار إلى نفسه بسبّابته.
وقيل : إنّ زكريّا عليهالسلام أتى مريم عند ذلك ، وقال لعيسى عليهالسلام : انطق بحجّتك إن كنت أمرت بها (١) . فعند ذلك ﴿قالَ﴾ عيسى : ﴿إِنِّي عَبْدُ اللهِ﴾ ردّا على من يقول إنّه الله أو شريكه أو ولده ﴿آتانِيَ الْكِتابَ﴾ المسمّى بالإنجيل ﴿وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ في الصبى ، كما هو قول بعض العامّة ، ومدلول بعض رواياتنا (٢) .
وعن ابن عباس أنّه قال : المراد أنّه حكم وقضى بأنّه سيبعثني من بعد ، ثمّ سكت عيسى وعاد إلى الصّغر ، ولمّا بلغ ثلاثين سنة بعثه الله (٣) ، ثمّ قال : ﴿وَجَعَلَنِي مُبارَكاً﴾ ونفّاعا كما عن القمي ، وجمع من العامة (٤) ، أو ثابتا على الحقّ والدّين (٥) . أو مستعليا بالحجّة وغالبا مفلحا (٦) ، أو معلّما للبشر دينهم (٧) وجميع ما فيه خيرهم ﴿أَيْنَ ما كُنْتُ﴾ في برّ أو بحر أو سهل أو جبل ﴿وَأَوْصانِي﴾ وأمرني أمرا مؤكّدا ﴿بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ.﴾
عن الصادق عليهالسلام قال : « زكاة الرؤوس ، لأنّ كلّ الناس ليست لهم أموال ، وإنّما الفطرة على الغني والفقير والصغير والكبير » (٨) . ﴿ما دُمْتُ حَيًّا﴾ في الدنيا ﴿وَ﴾ جعلني ﴿بَرًّا﴾ ومحسنا ﴿بِوالِدَتِي﴾ مريم ﴿وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً﴾ ومتكبّرا و﴿شَقِيًّا﴾ وعاصيا بالعقوق وغيره.
عن الصادق عليهالسلام : أنّه عدّ من الكبائر العقوق قال : « لأنّ الله جعل العاقّ جبّارا شقيّا في قوله تعالى حكاية عن عيسى عليهالسلام : ﴿وَبَرًّا بِوالِدَتِي ﴾ الآية (٩) ، أعلن فيه بتبرئة امّه ، وأنّه ولد بغير أب ، ثمّ سأل السّلامة التي بشّر الله بها يحيى عليهالسلام بقوله : ﴿وَالسَّلامُ﴾ والأمان الذي بشّر الله به يحيى عليهالسلام يكون ﴿عَلَيَ﴾ أيضا ﴿يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ وقد مرّ تفسيره (١٠) .
وقيل : إنّ اللّام في ( السّلام ) للاستغراق ، والمعنى : كلّ السّلام عليّ ، ولا يكون لأعدائي الّذين اتّهموا مريم ، بل عليهم اللّعن (١١) .
روي أنّ عيسى عليهالسلام قال ليحيى : أنت خير منّي ، سلّم الله عليك ، وسلّمت على نفسي (١٢) . وقيل : إنّ تسليمه على نفسه بتسليم الله عليه (١٣) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ٢٠٨.
(٢) راجع : تفسير روح البيان ٥ : ٣٣١ ، الكافي ١ : ٣١٣ - ٣١٤ / ١ و٢.
(٣) تفسير الرازي ٢١ : ٢١٣.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٥٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٨٠ ، تفسير البيضاوي ٢ : ٣٠ ، تفسير أبي السعود ٥ : ٢٦٤.
(٥ - ٧) تفسير الرازي ٢١ : ٢١٤.
(٨) تفسير القمي ٢ : ٥٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٨٠.
(٩) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٨٦ / ٣٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٨١.
(١٠) في الآية (١٥) من هذه السورة.
(١١ - ١٣) تفسير الرازي ٢١ : ٢١٦.