﴿لِتَبْتَغُوا﴾ وتطلبوا في ضوئها ﴿فَضْلاً﴾ ورزقا مقدّرا ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ بمقتضى ربوبيته لكم ﴿وَلِتَعْلَمُوا﴾ بتعاقبهما ﴿عَدَدَ السِّنِينَ﴾ المتوقّف عليه صلاحكم ﴿وَالْحِسابَ﴾ الراجع إلى الدقائق والساعات والأيام والشهور ، كما جعل القرآن مبصرا ، يرى بنوره كلّ ما تحتاجون إليه من مصالح الدين والدنيا ، لتبتغوا فضلا كثيرا من ربّكم في الدنيا والآخرة ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾ ممّا تحتاجون إليه في المعاش والمعاد ﴿فَصَّلْناهُ﴾ وبيّناه في القرآن ﴿تَفْصِيلاً﴾ وأضحا وتبيينا بليغا وافيا.
وقيل : إنّ وجه النّظم أنّ هذا القرآن سبب هداية جميع الناس إلى أحسن الأديان ، وكان التوحيد من أهمّ العقائد ، شرع في الاستدلال عليه بقوله : ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ﴾ الآية.
وقيل : إن الوجه أنه تعالى بعد ذكر منّته على الخلق بإعطائهم نعمة القرآن الذي هو أتمّ النعم الدينية ، ذكر منّته عليهم بإعطائهم النعمة العظيمة الدنيوية ، وهي اختلاف الليل والنهار ، لتشابه النّعمتين ، أو أنّ القرآن كما هو مركّب من المحكم والمتشابه ، كذلك الدهر مركّب من الليل والنهار ، فالمتشابه هو الليل ، والمحكم هو النهار ، وكما أنّ الغرض من التكليف لا يتمّ إلّا بوجود المحكم والمتشابه ، كذلك الانتفاع بالوقت والزمان لا يكمل إلّا بوجود الليل والنهار (١) .
وقيل : إنّ المراد بآية الليل القمر ، وبآية النهار الشمس ، ومحو القمر انتقاصه قليلا قليلا إلى المحاق (٢) .
وقيل : محوه : الكلف : الذي يظهر في وجهه (٣) . روت العامة أنّ الشمس والقمر كانا سواء في النور والضوء ، فأرسل الله جبرئيل فأمرّ جناحه على وجه القمر ، فطمس عنه الضوء (٤) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام في ( النهج ) : « وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها ، وقمرها آية ممحوّة من ليلها ، وأجراهما وقدّر مسيرهما في تدرّج مدرجهما (٥) ، ليميّز بين الليل والنهار بهما ، وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما » (٦) .
وفي ( العلل ) عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه سئل : ما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور ؟ قال : « لمّا خلقهما الله عزوجل أطاعا ولم يعصيا شيئا ، فأمر الله جبرئيل أن يمحو ضوء القمر ، فمحاه فأثر المحو في القمر خطوطا سوداء ، ولو أنّ القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس ولم يمح ، لما عرف الليل من النهار ، ولا النهار من الليل ، ولا علم الصائم كم يصوم ، ولا عرف الناس عدد السنين ، وذلك
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ١٦٣.
( ٢-٤ ) تفسير الرازي ٢٠ : ١٦٤.
(٥) في المصدر : وأجراهما في مناقل مجراهما ، وقدر سيرهما في مدارج درجهما.
(٦) نهج البلاغة : ١٢٨ - الخطبة ٩١ ، تفسير الصافي ٣ : ١٨١.