نفسه : ما هذا ؟ فأوحى الله إليه : هذا تسبيح دوابّ البحر » (١) الخبر.
﴿فَنادى﴾ ودعا ربّه ﴿فِي الظُّلُماتِ﴾ الثلاث : ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، كما عن الرضا عليهالسلام (٢) ، وهذا على تقدير كون النّداء بالليل. أو المراد الظّلمة المتكاثفة ، أو المراد : ظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوتين ، فإنّه ابتلع حوت يونس حوت آخر كما قيل (٣) .
وكان نداؤه ﴿أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ﴾ وانزّهك تنزيها لائقا بك عن كلّ نقص وعيب ، ومنه العجز عن إنفاذ إرادتك ، أو من أن تفعل ذلك جورا أو شهوة للانتقام ، أو عجزا عن تخليصي من هذا الحبس ، بل فعلته بحقّ الالوهيّة وبمقتضى الحكمة البالغة ﴿إِنِّي كُنْتُ﴾ مستحقّا لعقوبتك ، لكوني ﴿مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ على النفس بفراري من قومي بغير إذنك ، أو بتركي في المدّة التي كنت على وجه الأرض مثل هذه العبادة التي أشتغل بها حال فراغتي في بطن الحوت ، كما عن الرضا عليهالسلام (٤) .
روي أنّ الملائكة سمعت تسبيحه فقالوا مثله (٥) .
﴿فَاسْتَجَبْنا لَهُ﴾ دعاءه الذي في ضمن اعترافه بالذنب على ألطف الوجوه ﴿وَنَجَّيْناهُ﴾ وخلّصناه ﴿مِنَ الْغَمِ﴾ الحاصل له من الذنب والحبس في بطن الحوت ، بأن عفونا عنه ، وقذفه الحوت إلى الساحل القريب من نينوى بعد أربع ساعات ، أو ثلاثة أيّام ، أو سبعة ، أو أربعين يوما ، كالفرخ المنتوف ليس عليه شعر ولا جلد ، وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ليستظلّ بها ، ويأكل من ثمرها حتّى يشتدّ ، كما عن ابن عبّاس (٦)﴿وَكَذلِكَ﴾ الإنجاء الذي لا إنجاء أسرع منه ﴿نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ من الغموم التي يدعوننا فيها بالإخلاص.
عن سعد بن أبي وقّاص ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « دعوة ذي النون في بطن الحوت ﴿لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ ما دعا بها عبد مسلم قطّ وهو مكروب إلّا استجاب الله دعاءه»(٧).
وعنه صلىاللهعليهوآله : « اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل أعطى ﴿لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ ﴾ إلى آخره (٨) .
وروى بعض العامة عن الصادق عليهالسلام قال : « عجبت ممّن يبتلى بأربع كيف يغفل عن أربع ؟ ! » إلى أن قال : « وعجبت ممّن اغتمّ كيف لا يفزع إلى قوله تعالى : ﴿لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ فإنّي سمعت الله يقول بعقبها : ﴿فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ٢١٦ ، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٠١ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٢.
(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ٢١٦.
(٤) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٠١ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٢.
(٥) تفسير الرازي ٢٢ : ٢١٦ ، تفسير روح البيان ٥ : ٥١٨.
(٦) تفسير الرازي ٢٢ : ٢١٣.
(٧) تفسير الرازي ٢٢ : ٢١٦.
(٨) تفسير روح البيان ٥ : ٥١٨.