الزبعرى : أ أنت قلت ذلك ؟ قال : « نعم » ، قال : قد خصمتك وربّ الكعبة ، أ ليس اليهود عبدوا العزير ، والنّصارى عبدوا المسيح ، وبنو مليح عبدوا الملائكة ؟ فسكت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فضحك القوم ، فنزل ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً﴾(١) وقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ﴾ الآية (٢) .
وفي رواية اخرى قال : « بل هم عبدوا الشياطين الذين أمروهم بذلك » (٣) .
وعن الباقر عليهالسلام : « لمّا نزلت هذه الآية ، وجد منها أهل مكّة وجدا شديدا ، فدخل عليهم عبد الله بن الزّبعرى وكفّار قريش يخوضون في هذه الآية ، فقال ابن الزّبعرى : أتكلّم محمّد بهذه الآية ؟ قالوا : نعم ، قال : لئن اعترف بها لأخصمنّه ، فجمع بينهما ، فقال : يا محمّد ، أ رأيت الآية التي قرأتها آنفا ، أفينا وفي آلهتنا خاصّة ، أم في الامم وآلهتهم ؟ قال : بل فيكم وفي آلهتكم ، وفي الامم وآلهتهم إلّا من استثنى [ الله ] . فقال ابن الزّبعرى : خصمتك والله ، أ لست تثنى على عيسى خيرا ، وقد عرفت أنّ النصارى يعبدون عيسى وأمّه ، وأنّ طائفة من النّاس يعبدون الملائكة ؟ أ فليس هؤلاء مع الآلهة في النار ؟ قال : لا ، فضجّت قريش وضحكوا وقالوا : خصمك ابن الزّبعرى ؟ فقال صلىاللهعليهوآله : قلتم الباطل ، أما قلت إلّا من استثنى [ الله ] ، وهو قوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ ﴾ الآية (٤) .
وقيل : لمّا كان الخطاب في الآية خطاب المشافهة لا يشمل غير مشركي مكّة ، وهم كانوا يعبدون الأصنام ، وأنّه تعالى قال : ﴿وَما تَعْبُدُونَ﴾ ولم يقل ومن تعبدون (٥) ، فلا يشمل عيسى والعزير والملائكة ، وأنّه لم يقل أحد بالوهيّة الملائكة ، وأن العموم المفترض (٦) مخصّص بالأدلّة العقلية والنقلية في حقّ اولئك الكرام ، فكان سؤال ابن الزّبعرى ساقطا.
وفيه : أنّ خطابات القرآن شاملة لجميع أهل عصر النبي صلىاللهعليهوآله ، ولا تختصّ بقريش ، خصوصا مع قوله : « بل فيكم وفي آلهتكم ، وفي الامم وآلهتهم » وكلمة ( ما ) كثيرا مّا تطلق على الأعمّ من ذوي العقول ولو تغليبا لغيرهم عليهم ، أو لتحقير ذوي العقول ، وعموم اللّفظ كاف لاعتراض الخصم اللّجوج.
ولذا صرّح سبحانه بالتخصيص بعد عموم الآية بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا﴾ الخصلة ﴿الْحُسْنى﴾ وهي السعادة الأبديّة ، أو الكلمة الحسنى ، وهي البشارة بالثّواب ، لا يرون جهنّم ، بل ﴿أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ﴾ لأنّهم في الجنّة ، شتّان بينها وبين جهنّم ، حيث إنّ الجنّة في أعلى علّيين ، وجهنّم في أسفل السافلين ، ولذا يكون بعدهم من جهنّم بحيث ﴿لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها﴾ والصوت
__________________
(١) الزخرف : ٤٣ / ٥٧.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٢٣.
(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٢٣.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٧٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٥٦.
(٥) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٢٣.
(٦) في النسخة : الفرضية.