ورائه ، كيلا يعرفوا الموت من (١) صورته ووجهه ، فنصبوه (٢) صنما من وراء الحجاب لا يأكل ولا يشرب ، وأخبرهم أنّي لا أموت أبدا ، وأنّي إله لكم.
كلّ ذلك يتكلّم به الشيطان على لسانه ، فصدّقه كثير منهم ، وارتاب بعضهم ، وكان المؤمن المكذّب منهم أقلّ من المصدّق ، وكلمّا تكلّم ناصح منهم زجر وقهر ، فاتّفقوا على عبادته ، فبعث الله لهم نبيّا كان الوحي ينزل عليه في النوم ، وكان اسمه حنظلة بن صفوان ، فأعلمهم أنّ الصورة صنم لا روح له ، وأنّ الشيطان فيه ، وقد أضلّهم ، وأنّ الله لا يتمثّل بالخلق ، وأنّ الملك لا يجوز أن يكون شريكا لله ، وأوعدهم ونصحهم وحذّرهم سطوة ربّهم ونقمته ، فآذوه وعادوه حتى قتلوه ، وطرحوه في بئر ، فعند ذلك حلّت عليهم النقمة ؛ فباتوا شباعا رواء [ من الماء ] وأصبحوا والبئر قد غار ماؤها ، وتعطل رشاؤها ، فصاحوا بأجمعهم ، وضجّ النساء والولدان ، وضجّت البهائم عطشا حتى عمّهم الموت وشملهم الهلاك ، وخلفهم في أرضهم السباع ، وفي منازلهم الثعالب والضّباع ، وتبدلّت بهم جنّاتهم وأموالهم بالسّدر والشّوك ، شوك العضاه والقتاد (٣) . وأمّا القصر المشيد فقصر بناه شدّاد بن عاد بن إرم ، لم يبن في الأرض مثله(٤).
وعن ( المجمع ) : وفي تفسير أهل البيت في قوله : ﴿وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ﴾ « أي وكم من عالم لا يرجع إليه ولا ينتفع بعلمه » (٥) .
وفي ( الاكمال ) عن الصادق و[ في الكافي عن ] الكاظم : « البئر المعطّلة : الإمام الصامت ، والقصر المشيد : الإمام الناطق » (٦) .
وعن [ صالح بن سهل أنّه قال ] : أمير المؤمنين عليهالسلام [ هو ] القصر المشيد ، والبئر المعطّلة فاطمة عليهالسلام وولدها معطّلون من الملك (٧) .
أقول : لا شبهة أنّ الروايات في بيان تأويل الآية لا تفسيرها.
وعن القمي : هو مثل لآل محمّد صلىاللهعليهوآله ، وبئر معطّلة : هي التي لا يستقى منها ، وهو الإمام الّذي قد غاب ، فلا يقتبس منه العلم إلى وقت ظهوره ، والقصر المشيد : هو المرتفع ، وهو مثل لأمير المؤمنين عليهالسلام والأئمّة وقال الشاعر :
__________________
(١) في تفسير روح البيان : في.
(٢) في النسخة : ونصبوا.
(٣) العضاه : كلّ شجر له شوك صغر أو كبر ، والواحدة عضاهة ، والقتاد : نبات صلب له شوك كالإبر.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٤٣.
(٥) مجمع البيان ٧ : ١٤١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨٢.
(٦) كمال الدين : ٤١٧ / ١٠ ، معاني الأخبار : ١١١ / ١ ، الكافي ١ : ٣٥٣ / ٧٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨٢.
(٧) معاني الأخبار : ١١١ / ٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨٣.