ومن ألطافه أنّه تعالى سهّل عليكم تكاليفه ﴿وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ﴾ وتكاليفه شيئا ﴿مِنْ حَرَجٍ﴾ ومشقّة وضيق.
وعن ابن عباس ، أنّه قال لبعض هذيل : ما تعدّون الحرج فيكم ؟ قال : الضّيق (١) .
وعن عائشة : سألت رسول الله عن ذلك فقال : « الضيق » (٢) .
نقل أنّ أبا هريرة قال : كيف قال الله تعالى : ﴿وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ مع أنّه تعالى منعنا عن الزّنا والسّرقة ؟ فقال ابن عباس : بلى ، ولكنّ الإصر الّذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم (٣) .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « إذا اجتمع أمران ، فأحبّهما إلى الله ايسرهما » (٤) .
ومن ألطافه الخاصّة عليكم أنّه تعالى جعل ملّتكم - أيّها العرب - ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ﴾ أو المراد وسّع عليكم توسعة ملّة أبيكم إبراهيم ، أو أعني بالدّين ملّة أبيكم إبراهيم ، فإنّ العرب كانوا محبّين لإبراهيم لكونهم أولاده ، فكان التّنبيه عليه حثّا لهم على قبوله وانقيادهم له.
وقيل : إن الخطاب لعموم المؤمنين ، لأنّ الله جعل حرمة إبراهيم كحرمة الوالد على ولده (٥) .
ومن ألطافه أنّه تعالى ﴿هُوَ﴾ الذي ﴿سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ في لسان أنبيائه وكتبه السّماويّة ﴿وَفِي هذا﴾ الزمان ، أو في هذا القرآن.
عن ابن عبّاس : أنّ الله ﴿سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ أي في كلّ الكتب ﴿وَفِي هذا﴾ أي في القرآن (٦) .
وإنّما شرّفكم الله بهذا التّشريف وسمّاكم بهذا الاسم الأكرم ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ﴾ وقد مرّ بيان كيفية تلك الشهادة في سورة البقرة (٧) .
وعن الباقر عليهالسلام : « قال عزوجل : ﴿سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ في الكتب التي مضت ﴿وَفِي هذا﴾ القرآن ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ﴾ - قال عليهالسلام - : فرسول الله شهيد علينا بما بلّغنا عن الله تبارك وتعالى ، ونحن الشّهداء على النّاس يوم القيامة (٨) ، فمن صدّق يوم القيامة صدّقناه ، ومن كذّب كذّبناه » (٩) .
وقيل : إنّ ضمير ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ﴾ راجع إلى إبراهيم ، فإنّه عليهالسلام قال : ﴿رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ
__________________
(١و٢) تفسير الرازي ٢٣ : ٧٣.
(٣و٤) تفسير الرازي ٢٣ : ٧٣.
(٥و٦) تفسير الرازي ٢٣ : ٧٤.
(٧) عند تفسير الآية (١٤٣) .
(٨) ( يوم القيامة ) ليس في الكافي.
(٩) الكافي ١ : ١٤٧ / ٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٩٢.