« أعظم النّاس خيانة من لم يتمّ صلاته » (١) . ومن جملة العهود الميثاق الذي أخذه من بني آدم في الذّرّ.
ثمّ وصفهم الله بالاهتمام بالصّلاة بقوله : ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ﴾ المفروضة ﴿يُحافِظُونَ﴾ ويواظبون برعاية شرائطها وحدودها وأوقاتها ، وإنّما غيّر الاسلوب بإتيان الفعل لكون الصّلاة متجدّدة متكرّرة.
وقيل : إنّما فصّل بين توصيفهم بالخشوع في الصلاة ومحافظتهم عليها ، للإيذان بأنّ كلّا منهما فضيلة مستقلّة (٢) ، أو للإشعار بتعظيم الصّلاة حيث ذكرها في مبدأ أوصافهم ومنتهاها.
ثمّ بيّن سبحانه كيفيّة فلاحهم بقوله : ﴿أُولئِكَ﴾ المتّصفون بتلك الصفات ﴿هُمُ الْوارِثُونَ﴾ دون غيرهم ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ﴾ ويملكونها بحسن عقائدهم وأعمالهم ، أو ينتقل إليهم من الكفّار الذين فوّتوها على أنفسهم و﴿هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ دائمون لا يخرجون منها أبدا.
عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : « ما خلق الله خلقا إلّا جعل له في الجنّة منزلا ، وفي النّار منزلا ، فإذا سكن أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار ، نادى مناد : يا أهل الجنّة أشرفوا ، فيشرفون على أهل النّار ، وترفع لهم منازلهم فيها ، ثمّ يقال لهم : هذه منازلكم التي لو عصيتم الله لدخلتموها » قال : « فلو أنّ أحدا مات فرحا لمات أهل الجنّة في ذلك اليوم فرحا ، لما صرف عنهم من العذاب.
ثمّ ينادي مناد : يا أهل النّار ارفعوا رؤوسكم ، فيرفعون رؤوسهم فينظرون إلى منازلهم في الجنّة وما فيها من النّعيم ، فيقال لهم : هذه منازلكم التي لو أطعتم ربّكم لدخلتموها ، قال : فلو أنّ أحدا مات حزنا لمات أهل النّار حزنا ، فيورث هؤلاء منازل هؤلاء [ ويورث هؤلاء منازل هؤلاء ] وذلك قول الله عزوجل : ﴿أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ ﴾(٣) .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « ما من أحد منكم إلّا وله منزلان ؛ منزل في الجنّة ، ومنزل في النّار ، فإن مات ودخل النّار ورث أهل الجنّة منزله » (٤) .
وقيل : إنّ الله شبّه انتقال الجنّة إليهم بغير محاسبة ومعرفة بمقاديرها بانتقال المال إلى الوارث (٥) .
وقيل : لمّا كانت الجنّة مسكن أبينا آدم ، صار انتقالها إلى أولاده شبيها بالميراث (٦) .
قيل : إنّ الفردوس هو الجنّة بلسان [ الحبشة ](٧) وقيل : بلسان الرّوم (٨) .
وعن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « الفردوس مقصورة الرّحمن ، فيها الأنهار والأشجار » (٩) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٣ : ٨١.
(٢) تفسير أبي السعود ٦ : ١٢٥.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٨٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٩٥.
(٤) مجمع البيان ٧ : ١٥٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٩٥.
(٥) تفسير الرازي ٢٣ : ٨٢.
(٦-٩) تفسير الرازي ٢٣ : ٨٢.