ثمّ أنه تعالى بعد بيان حدّ الزنا والزجر عنه ، نهى عن نكاح الزواني قبل التوبة بقوله : ﴿الزَّانِي لا يَنْكِحُ﴾ ولا يتزوّج ﴿إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ ولا يرغب في نكاح المؤمنة الصالحة لعدم السّنخية والمشاكلة بينهما ﴿وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها﴾ ولا يرغب في تزويجها ﴿إِلَّا﴾ رجل ﴿زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾
روي أنّه كانت في المدينة بغايا وزانيات ذوات الأعلام من اليهود والمشركين موسرات ، فرغب بعض فقراء المهاجرين في نكاحهنّ لينفقن عليهم من أكسابهنّ على عادة الجاهليّة ، فاستاذنوا النبيّ صلىاللهعليهوآله في ذلك ، فنزلت الآية في ردعهم عنه ببيان أنّ نكاحهنّ من خصائص الزواني والمشركين ، حيث إنّ الزاني لا يرغب إلّا في نكاح الزانية والمشركة ، والزانية لا ترغب إلّا في نكاح الزاني والمشرك (١) .
﴿وَحُرِّمَ ذلِكَ﴾ النّكاح ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ لما فيه من التشبيه بالفسقة ، والتعرّض للتهمة ، والتسبّب بسوء المقالة ، والطعن في النسب ، وغير ذلك من المفاسد التي لا تليق بالأداني والأراذل فضلا عن المؤمنين ، فلا ينبغي أن يحوموا حولها.
قيل : إيراد الجملة الاولى مع أن مناط التنفير هي الثانية ، لتأكيد العلاقة بين الجانبين ، مبالغة في الزّجر ، وعدم ذكر المشركة في الجملة الثانية ، للتنبيه على أنّ مناط الزّجر هو الزنا لا مجرّد الإشراك ، وإنّما التعّرض لها في الاولى إشباعا في التنفير عن الزانية بنظمها في سلك المشركة (٢) ، كما هو الوجه في التعبير عن الكراهة بالتحريم.
وقيل : إنّ التحريم على حقيقته ، والحكم مخصوص بمورد النزول ، أو منسوخ بقوله : ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ﴾(٣) فانّه متناول للزانيات ، وعموم قوله عليهالسلام : « لا يحرّم الحرام الحلال » (٤) وقد تضافر دعوى الاجماع على جوازه ، سواء أكان قبل التوبة أو بعدها.
فما عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية فقال : « هنّ نساء مشهورات بالزنا ، والرجال مشهورون بالزنا ، شهروا به وعرفوا به ، والناس اليوم بتلك المنزلة ، فمن أقيم عليه حدّ الزنا وشهر بالزنا ، لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتىّ يعرف منه التوبة » (٥) .
ومن قوله عليهالسلام : « لو أن إنسانا زنى ثم تاب تزوّج حيث شاء » (٦) .
وما عن الباقر عليهالسلام : « هم رجال ونساء كانوا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله مشهورين بالزنا ، فنهى الله عن
__________________
(١و٢) تفسير أبي السعود ٦ : ١٥٦ ، تفسير روح البيان ٦ : ١١٦.
(٣) تفسير أبي السعود ٦ : ١٥٧ ، تفسير روح البيان ٦ : ١١٧ ، والآية من سورة النور : ٢٤ / ٣٢.
(٤) التهذيب ٧ : ٣٢٨ / ١٣٥١.
(٥) الكافي ٥ : ٣٥٤ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٦.
(٦) الكافي ٥ : ٣٥٥ / ٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٤١٦.