الصبيان الذين ﴿لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ﴾ ولم يصلوا إلى حدّ البلوغ ﴿مِنْكُمْ﴾ أيّها الأحرار ﴿ثَلاثَ مَرَّاتٍ﴾ في اليوم والليلة في أوقات تكرهون أن يمرّ عليكم فيها أحد.
أحدها : الوقت الذي يكون ﴿مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ﴾ فانّه وقت القيام من المضاجع وخلع ثياب النوم ، ولبس (١) ثياب اليقظة.
﴿وَ﴾ الثاني : ﴿حِينَ تَضَعُونَ﴾ وتخلعون ﴿ثِيابَكُمْ﴾ التي تلبسونها في النهار ﴿مِنَ الظَّهِيرَةِ﴾ وشدّة الحرّ لأجل القيلولة ، وهي بعد انتصاف النهار.
وقيل : ﴿مِنَ الظَّهِيرَةِ﴾ بيان للحين (٢) ، والمعنى وقت الظهر ، وإنّما عبّر عن الوقت بملاك الأمر ، وهو وضع الثياب والتجرّد دون الوقت الأول الثالث لمعروفيتهما به دون الوسط.
والثالث : الوقت الذي يكون في الليل حين النوم ﴿وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ﴾ فانّه وقت التجرّد عن اللباس والدخول في فراش النوم والالتحاف باللّحاف ، فتلك الأوقات ﴿ثَلاثُ عَوْراتٍ﴾ وأوقات تكون ﴿لَكُمْ﴾ يختلّ فيها التستّر بحسب العادة.
ثمّ صرّح سبحانه بالترخيص في الدخول بغير الاستئذان للمماليك والصبيان الأحرار بعد كلّ واحد من تلك الأوقات ، وكأنّه قيل : ما حكم الأوقات الاخر ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ﴾ وحرج أو إثم ﴿بَعْدَهُنَ﴾ في الدخول بغير الاستئذان ، لعدم ما يوجبه من الاطّلاع على العورات ، مع أنّ المماليك والصبيان ﴿طَوَّافُونَ﴾ ودوّارون ﴿عَلَيْكُمْ﴾ للخدمة بل ﴿بَعْضُكُمْ﴾ طائف ﴿عَلى بَعْضٍ﴾ هم يطوفون عليكم للخدمة ، وأنتم تطوفون عليهم للاستخدام والتربية فالاستئذان بعد الضرورة إلى المخالطة مستلزم للحرج والضيق ، ولمّا كان الطّواف شاملا للفريقين ، لم يكتف سبحانه بقوله : ﴿طَوَّافُونَ﴾ بل أبدل من ﴿طَوَّافُونَ﴾ بقوله : ﴿بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ﴾ وهذا الأمر بالنسبة إلى البالغين تكليف ، وبالنسبة إلى الصبيان تمرين.
ثمّ أظهر سبحانه المنّة على الناس بقوله : ﴿كَذلِكَ﴾ التبيّن ﴿يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ﴾ الدالة على المعارف والأحكام ، وينزلها واضحة الدلالة ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ﴾ بأحوالكم ومصالحكم ﴿حَكِيمٌ﴾ في أفعاله وتشريع أحكامه.
روي أن غلاما لأسماء بنت أبي مرثد دخل عليها في وقت كرهته فنزلت (٣) .
وقيل : إنّه أرسل رسول الله صلىاللهعليهوآله مدلج بن عمرو الأنصاري وقت الظهيرة ليدعو عمر ، وكان غلاما ،
__________________
(١) في النسخة : اليوم ، وليس.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ١٧٥.
(٣) تفسير الرازي ٢٤ : ٢٩ ، تفسير أبي السعود ٦ : ١٩٣.