وبماذا اهلكوا ؟ فإنّي أجد في كتاب الله تعالى ذكرهم ، ولا أجد خبرهم ؟
فقال علي عليهالسلام : لقد سألت عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك ، ولا يحدّثك به أحد بعدي إلّا عنّي ، وما في كتاب الله عزوجل آية إلّا وأنا أعرفها ، وأعرف تفسيرها ، وفي أيّ مكان نزلت من سهل أو جبل ، وفي أيّ وقت من ليل أو نهار ، وإن [ ها ] هنا لعلما جمّا - وأشار إلى صدره - ولكن طلابه يسير ، وعن قليل تندمون لو فقدتموني (١) .
وكان من قصّتهم يا أخا تميم أنّهم كانو يعبدون شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت ، كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها دوشاب ، كانت انبطّت (٢) لنوح عليهالسلام بعد الطّوفان ، وإنّما سمّوا أصحاب الرّسّ لأنهم رسّوا نبيهم في الارض ، وذلك بعد سليمان بن داود عليهالسلام وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر يقال له الرّسّ من بلاد المشرق ، وبهم سمّي ذلك النهر ، ولم يكن يومئذ نهر أغزر منه ولا أعذب منه ، ولا قرى أكثر ولا أعمر منها ، تسمّى إحداهن أبان ، والثانية آذر ، والثالثة دي ، والرابعة بهمن ، والخامسة اسفندار ، والسادسة فروردين ، والسابعة أردي بهشت ، والثامنة خرداد ، والتاسعة مرداد ، والعاشرة تير ، والحادية عشرة مهر ، والثانية عشرة شهريور.
وكانت أعظم مدائنهم إسفندار ، وهي التي ينزلها ملكهم ، وكان يسمّى تركور بن عابور (٣) بن يارش بن سار (٤) بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم عليهالسلام ، وبها العين والصّنوبرة ، وقد غرسوا في كلّ قرية منها حبّة من طلع تلك الصّنوبرة ، فنبتت الحبّة وصارت شجرة عظيمة ، وحرّموا ماء العين والأنهار ، فلا يشربون منها ولا أنعامهم ، ومن فعل ذلك قتلوه ، ويقولون : هو حياة آلهتنا ، فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتها ، ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرّسّ الذي عليه قراهم.
وقد جعلوا في كلّ شهر من السنة في كلّ قرية عيدا تجتمع إليه أهلها ، فيضربون على الشجرة التي بها كلّة من حرير فيها من أنواع الصّور ، ثمّ يأتون بشاة وبقر يذبحونهما (٥) قربانا للشجرة ، ويشعلون فيها النيران بالحطب ، فاذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها (٦) في الهواء ، وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خرّوا سجّدا للشجرة ، ويبكون ويتضّرعون إليها أن ترضى عنهم ، وكان الشيطان يجيء فيحرك أغصانها ، ويصيح من ساقها صياح الصبي : إنّي رضيت عنكم عبادي ، فطيبوا نفسا ، وقرّوا عينا ،
__________________
(١) في عيون أخبار الرضا عليهالسلام : يندمون لو فقدوني.
(٢) في النسخة : أنبتت.
(٣) في عيون أخبار الرضا عليهالسلام : تركوذ بن غابور.
(٤) في عيون أخبار الرضا عليهالسلام : سازن.
(٥) في عيون أخبار الرضا عليهالسلام : فيذبحونها.
(٦) القتار : دخان ذو رائحة خاصة ينبعث من الطبيخ أو الشّواء أو البخور.