لِمَنْ حَوْلَهُ أَ لا تَسْتَمِعُونَ * قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ
الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ
كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٢) و (٢٨)﴾
ثمّ أجاب عليهالسلام عن منّته عليه بالتربية بقوله : ﴿وَتِلْكَ﴾ التربية ﴿نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَ﴾ ولكن كانت لأجل ﴿أَنْ عَبَّدْتَ﴾ واستعبدت ﴿بَنِي إِسْرائِيلَ﴾ واستخدمتهم وذبحت ابناءهم ولذا ألقتني أمّي في اليمّ ، ولو لا هذا الظلم منك عليهم ما احتجت إلى تربيتك.
وقيل : يعني إنما أنفقت عليّ من أموال قومي الذين استعبدتهم وأخذت أموالهم ، فلا منّه لك عليّ ، أو أنّك وإن ربّيتني إلّا أنك ظلمت قومي ، أو أنّ الذي ربّاني كان من الذين عبدتهم ، وهو أمّي وسائر قومي ، وإنّما الذي كان منك إنّك لم تقتلني (١) .
وعلى أيّ تقدير : لما أجاب عن طعنه فيه ومنّته عليه ، أخذ فرعون في الاعتراض على ما ادّعاه من رسالة ربّ العالمين و﴿قالَ فِرْعَوْنُ﴾ تجاهلا في معرفته [ و] حفظا لملكه ورياسته : يا موسى ﴿وَما﴾ حقيقة مرسلك الذي تقول إنّه ﴿رَبُّ الْعالَمِينَ﴾ وما كنه ذاته ؟ فإنّ رسوله لا بدّ من معرفته بالذات ، ولمّا لم يكن معرفة ذاته البسيطة من جميع الأجزاء العقلية والخارجية ممكنا ، أجابه موسى ببيان صفاته وآثاره و ﴿قالَ :﴾ هو ﴿رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا﴾ من الموجودات وخالقها ومدبّرها ، فاعرفوه بهذه الصفة ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ بأنّ هذه الموجودات الممكنة لا بدّ أن يكون وجودها مستندا إلى واجب الوجود بالذات ، وأقنعوا بهذا الجواب الذي هو أحسن الأجوبة عن سؤالكم.
وقيل : يعني إنّ كنتم موقنين بالأشياء محقّقين لها بالنظر الصحيح المؤدي إلى الإيقان ، علمتم بأنّ العالم عبارة عمّا ذكرت وربّه خالقه ومدبّره (٢) .
ولمّا لم يفهم فرعون جواب موسى عليهالسلام ومطابقته لسؤاله تعجّب منه و﴿قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ﴾ وفي مجلسه من الأشراف ﴿أَ لا تَسْتَمِعُونَ﴾ إلى هذا الجواب فإنّي أسأله عن حقيقة مرسله وجنسه ، وهو يجيب بأفعاله وآثاره ، وهذا عجيب من عقل هذا الرجل.
ثمّ لما كان مجال دعوى ، قدّم السماوات والأرض وعدم احتياجهما إلى الموجد والمؤثر ، عدل موسى عليهالسلام عن الجواب الأول و﴿قالَ رَبُّكُمْ﴾ وخالقكم ومن المعلوم ان الشخص لا يكون خالق
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٤ : ١٢٦.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٢٦٩.