شرافة الوالدين موجبة لشرافة الولد ، لكونه فرعا للأصل الكريم ، وأمّا النّعم التي أنعم الله بها على داود فهي النبوة ، والملك ، وخلافة الله في الأرض ، وتسبيح الجبال والطير معه ، وحسن الصوت ، وإلانة الحديد في يده ، وتعليمه صنعة اللبوس ، وإنزال الزّبور عليه ، وأمّا النعمة على والدته فهي تزويجها من داود بعد أن كانت زوج أوريا ، وإسلامها ، وتزكيتها ، وطهارتها.
ثمّ قيل : إنّ سليمان كان إذا قعد على الكرسي جاءت جميع الطيور التي سخّرها الله له فتظلّ الكرسيّ والبساط وجميع من عليه من حرّ الشمس (١) .
قيل : إنّه عليهالسلام قعد يوما على كرسيه ، فوقع الشمس ، في حجره ، فرفع رأسه (٢) .
﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ وتعرّف أحوالها وتصفحها ، فلم ير الهدهد فيما بينها ، وكان رئيس الهداهد على ما قيل (٣)﴿فَقالَ﴾ لحاضري مجلسه : ﴿ما لِيَ﴾ وأيّ حال عرض لي فصار (٤) سببا لأن ﴿لا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ في مكانه ؟ أساتر بيني وبينه يمنعني من رؤيته ؟ ﴿أَمْ كانَ﴾ اليوم ﴿مِنَ﴾ جملة ﴿الْغائِبِينَ﴾ عن محضري ؟
قيل : خرج سليمان عليهالسلام من مكة عند طلوع الشمس متوجّها إلى اليمن ، وكان بينهما مسيرة شهر ، فسار حتى أتى إلى واد كثير الأشجار حسن الهواء ، فنزل لأن يتغدّى فيه ، فجاء وقت الصلاة ، فأراد أن يتوضّأ فلم يجد ماء ، وكان الهدهد دليل الماء ، فطلبه فلم يجده (٥) .
وعن العياشي أنه قال أبو حنيفة لأبي عبد الله عليهالسلام : كيف تفقّد سليمان عليهالسلام الهدهد من بين الطير ، قال : « لأن الهدهد يرى الماء في بطن الأرض كما يرى أحدكم [ الدهن ] في القارورة » .
فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه فضحك. فقال أبو عبد الله عليهالسلام : « ما يضحكك ؟ » قال : ظفرت بك جعلت فداك. قال : « وكيف ذلك ؟ » قال : الذي يرى الماء في بطن الأرض لا يرى الفخّ في التّراب حتى يؤخذ بعنقه !
قال أبو عبد الله عليهالسلام : « يا نعمان ، أما علمت أنّ القدر إذا نزل عمي البصر » (٦) .
وقيل : إنّ سليمان عليهالسلام جلس على سريره في نواحي بيت المقدس ، واشتغل بامور المملكة والدين ، فقال هدهد في نفسه : إنّ سليمان مشغول عنّي ، فأرتفع في الهواء ساعة لأنظر في فسحة الدنيا وطولها وعرضها ، فطار في الهواء ، فوقعت فرجة في مظلّة الطيور ، فوقع شعاع الشمس على
__________________
(١و٢) تفسير القمي ٢ : ١٢٧ ، تفسير الصافي ٤ : ٦٣.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٣٣٦.
(٤) في النسخة : علي صار.
(٥) تفسير أبي السعود ٦ : ٢٧٩ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٣٧.
(٦) مجمع البيان ٧ : ٣٤٠ ، وفيه : أنه إذا نزل القدر اغشى البصر.