بخدمتك ﴿امْرَأَةً﴾ في مملكة سبأ وأهله ﴿تَمْلِكُهُمْ﴾ وتحكم عليهم ، وتدبّر امورهم ، ولها السلطنة عليهم ، اسمها بلقيس بنت شرحبيل ، أو شراحيل بن مالك بن ريان ، من نسل يعرب بن قحطان ، وكان أبوها ملك أرض اليمن كلّها ، ورث الملك من أربعين أبا ، ولم يكن له ولد غيرها ، فغلبت بعده على الملك ، ودانت لها الامّة (١)﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ تحتاج إليه الملوك من الحشم ، والخيل ، والعدد ، والسياسة ، والهيبة ، والرأي ، والمال ، والنعم ﴿وَلَها عَرْشٌ﴾ وسرير ﴿عَظِيمٌ﴾ بالنسبة إلى عروش غيرها من الملوك.
قيل : كان عرشها ثمانين ذراعا في ثمانين ذراعا عرضا ، في ثمانين ذراعا ارتفاعا (٢) ، مقدّمه من ذهب مفصّص بالياقوت الأحمر ، والزّبرجد الأخضر ، ومؤخرّه من فضة مكلّل بأنواع الجواهر ، له أربع قوائم : قائمة من ياقوت أحمر ، وقائمة من ياقوت أصفر (٣) ، وقائمة من زبرجد ، وقائمة من درّ ، وصفائح السرير من ذهب ، وعليه سبعة أبيات ، لكلّ بيت باب مغلق ، وكان عليه من الفرش ما يليق به(٤) .
﴿وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ﴾ ويعبدونها ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾ ومتجاوزين عن عبادته ﴿وَزَيَّنَ﴾ وحسّن ﴿لَهُمُ الشَّيْطانُ﴾ بوسوسته وتسويله ﴿أَعْمالَهُمْ﴾ القبيحة التي منها عبادة الشمس ﴿فَصَدَّهُمْ﴾ ومنعهم بسبب ذلك التزيين ﴿عَنِ﴾ سلوك ﴿السَّبِيلِ﴾ المستقيم ، واختيار المذهب الحقّ ، وهو توحيد الله وعبادته ﴿فَهُمْ﴾ بسبب ذلك الصدّ ﴿لا يَهْتَدُونَ﴾ إلى الحقّ ، ولا يصلون إلى خير أبدا لا في الدنيا ولا في الآخرة.
ثمّ أن الهدهد أظهر معارفة التي اقتبسها من سليمان عليهالسلام إظهارا لتصلّبه في التوحيد ، وتوجيها لقلب سليمان نحو قبول قوله ، وصرفا لعزيمته إلى تسخير مملكة بلقيس بقوله : ﴿أَلَّا﴾ وهلا (٥)﴿يَسْجُدُوا لِلَّهِ.﴾
وقيل : إنّ المراد أن تزيين الشيطان عبادة الشمس (٦) ، لأجل أن يعبدوا الله المتفرّد باستحقاق العبادة ، حيث إنّه القادر ﴿الَّذِي﴾ بقدرته ﴿يُخْرِجُ الْخَبْءَ﴾ ويظهر المدّخر المستور ﴿فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ من الكواكب والأمطار والأرزاق والنباتات وغيرها ﴿وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ﴾ من العقائد
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ : ٢٨١ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٣٩.
(٢) في تفسير روح البيان : ذراعا وطوله في الهواء ثمانين ذراعا.
(٣) في تفسير روح البيان : اخضر.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٣٣٩.
(٥) بل إن إعراب ( ألّا يسجدوا ) هنا مفعول له للصدّ على حذف اللام منه ، أي فصدّهم لئلا يسجدوا. راجع : تفسير روح البيان ٦ : ٣٤٠.
(٦) تفسير البيضاوي ٢ : ١٧٤ ، تفسير أبي السعود ٦ : ٢٨١ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٣٩.