يَخْتَصِمُونَ * قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ
اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ
أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٥) و (٤٧)﴾
ثمّ حكى سبحانه لطفه بصالح بقوله : ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى﴾ قبيلة ﴿ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً﴾ وكان ما ارسل به ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللهَ﴾ ولا تعبدوا غيره ، فآمن به جمع منهم ﴿فَإِذا هُمْ﴾ بعد هذه الدعوة ﴿فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ﴾ ويجادلون في صدق نبوته ودعواه التوحيد وكذبهما ﴿قالَ﴾ صالح - للفرقة المكذّبة القائلين له : ﴿ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾(١) - : ﴿يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ وتطلبون سرعة نزول العقوبة عليكم ﴿قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ والتوبة ﴿لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ﴾ وهلّا تتوبون إليه قبل نزول العذاب ؟ ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ بقبولها وصرفه عنكم ، كيلا تعذّبون بل تنعمون.
قيل : إنّهم كانوا يقولون من جهلهم وغوايتهم : إن أتيتنا بما تعدنا من العذاب تبنا حينئذ وإلّا فنحن على ما كنا عليه (٢) ، فوبّخهم صالح على هذا القول ، وحثّهم على استعجال التوبة.
وقيل : إنّ المعنى لم تسألون البلاء والعقوبة قبل سؤال العافية والرحمة ، ولم لا تقدّمون طلب الرحمة على طلب العقوبة (٣) .
ثمّ إنّهم بعد دعوة صالح بألطف بيان ونصحه لهم بأبلغ وجه ، عارضوه بأسوأ قول حيث ﴿قالُوا﴾ في جوابه : يا صالح إنا ﴿اطَّيَّرْنا﴾ وتشاء منا ﴿بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ﴾ من المؤمنين حيث تتابعت علينا بعد دعوتك وإيمانهم بك الشدائد والبلايا.
قيل : أنّهم قحطوا فقالوا : أصابنا هذا الشرّ من شؤمك وشؤم أصحابك (٤)﴿قالَ﴾ صالح : ﴿طائِرُكُمْ﴾ وما جاء به الشرّ إليكم كائن ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ وسابق في علمه ، أو مكتوب في اللّوح المحفوظ ، وهو تقديره وإرادته ، أو عملكم الذي هو محفوظ عنده.
ثمّ أضرب عليهالسلام عن إسناد شرّهم إلى الطائر الذي هو السبب لابتلائهم إلى الإسناد إلى الحكمة الداعية له بقوله : ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾ بالبلايا وتختبرون بإنزال الشرور عليكم ، ليتّضح أنّكم ترتدعون عن الكفر والمعاصي أم لا ، و تنصرّفون عن قبائح الأعمال أم تديمون عليها ؟ أو المراد بل أنتم قوم تعذّبون على معاصيكم ، أو أنتم قوم تقعون في الفتنة بوسوسة الشيطان.
__________________
(١) العنكبوت : ٢٩ / ٢٩.
(٢) تفسير أبي السعود ٦ : ٢٩٠ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٥٥.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ٣٥٥.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٣٥٦.