فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩١) و (٩٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد الاحتجاج على التوحيد وإبلاغ البيان فيه ، ختم الكلام بأمر نبيّه بإظهار التزام نفسه به ، قبلوا قوله وحججه أوّلا ، قطعا لطمع المشركين من أن يميل عليهالسلام إلى دينهم ، وإظهارا لعدم المبالاة بلجاجهم وعنادهم بقوله : ﴿إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ﴾ التي هي أحبّ البلاد لديّ وأكرمها وأعظمها عندي وعند ربّي ﴿الَّذِي حَرَّمَها﴾ وجعلها لمن دخلها ، وممنوعة من أن تهتك حرمتها ، ويعضد شجرها (١) ، وينفّر صيدها ، ومن المعلوم أنّ ذلك كلّه من نعم ربّي عليّ وعليكم ، وليس إضافتها إليه لاختصاص ربوبيته بها ، بل ﴿وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ﴾ من هذه البلدة وغيرها من الموجودات ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ والمنقادين له ، والمطيعين لأحكامه ، أو من الثابتين على دينه ﴿وَ﴾ امرت ﴿أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ﴾ الذي أنزله عليّ ، وإن تجحدونه أنّه منه ، وتنسبونه إلى السّحر مرة ، وإلى الشعر اخرى ، وإلى الكهانة ثالثة ، وإلى الأساطير رابعة ﴿فَمَنِ اهْتَدى﴾ إلى التوحيد ودين الاسلام والسعادة الأبدية بهدايته وإرشادك ﴿فَإِنَّما يَهْتَدِي﴾ إلى كلّ خير عائد ﴿لِنَفْسِهِ﴾ لا يتعدّى إلى غيره ﴿وَمَنْ ضَلَ﴾ بمخالفتك عن الصراط المستقيم ، وانحرف عن الطريق القويم ﴿فَقُلْ﴾ له : ليس عليّ وبال ضلالك و﴿إِنَّما أَنَا﴾ منذر ﴿مَنْ﴾ جملة ﴿الْمُنْذِرِينَ﴾ ورسول من الرسل ليس عليّ إلّا الإنذار والتبليغ ، وقد أدّيت ما عليّ ، وخرجت عن عهدة ما كلّفت به ، وعليكم الاهتداء والايمان ، وبقي ما عليكم والله مجازيكم عليه.
ثمّ لمّا بيّن وظيفته وهو التبليغ ، وخروجه من عهدتها ، وبراءته من وبال مخالفة أمّته ، أمره الله سبحانه بالشكر على نعمه عليه بقوله : ﴿وَقُلِ﴾ يا محمد ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ على إكمال نعمه عليّ من العلم والحكمة والنبوة والكتاب ، وتوفيقه للقيام بوظيفة الرسالة وتحمّل أعباء النبوة ، وأمّا أنتم يا مشركي قريش ، فاعلمكم أنّ الله المنتقم ﴿سَيُرِيكُمْ﴾ في الدنيا أو الآخرة ﴿آياتِهِ﴾ القاهرة وعقوباته الشديدة ﴿فَتَعْرِفُونَها﴾ حين لا ينفعكم معرفتها ، وتقرّون بها حين لا يفيدكم الإقرار.
القميّ ، قال : الآيات أمير المؤمنين والأئمّة عليهمالسلام إذا رجعوا إلى الدنيا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم في الدنيا (٢) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام ، أنّه قال : « والله ما لله آية أكبر مني » (٣) .
قال مقاتل : يعني سيريكم آياته عن قريب من الأيام ، فطوبى لمن رجع قبل وفاته ، والويل على من
__________________
(١) يعضد شجرها : أي يقطع.
(٢) تفسير القمي ٢ : ١٣٢ ، تفسير الصافي ٤ : ٧٩.
(٣) تفسير القمي ٢ : ١٣٢ ، تفسير الصافي ٤ : ٧٩.