وتجري ﴿الْأَنْهارَ﴾ العديدة ( خلالها ) وفيما بين أشجارها ( تفجيرا ) وإجراء كثيرا ﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ﴾ ومثلما توهّمت أنك نبيّ ذو معجزة ، أو أن الله يفعل ما يشاء ﴿عَلَيْنا كِسَفاً﴾ وقطعا ، أو كما قلت ، أو يسقط عليهم كسفا من السماء فيقولون : سحاب مركوم ﴿أَوْ تَأْتِيَ﴾ إلينا ﴿بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً﴾ ومقابلا لنا بحيث نراهم ، أو فوجا كما عن ابن عباس (١) ، أو ضامنا أو كفيلا ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ﴾ وذهب تسكن فيه وتخلص من الفقراء ﴿أَوْ تَرْقى﴾ وتصعد ﴿فِي﴾ معارج ﴿السَّماءِ﴾ ومدارجها ونحن ننظر إليك ﴿وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ﴾ ولا نصدّق نبوتك أبدا لأجل عروجك في السماء ﴿حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا﴾ من السماء ﴿كِتاباً﴾ فيه تصديق نبوتك ونحن ﴿نَقْرَؤُهُ﴾ كي لا يبقى لنا فيه شبهة السحر.
﴿قُلْ﴾ يا محمد ، لهؤلاء المقترحين تعجبا من اقتراحهم ، أو تنزيها لساحة الربوبية من أن يكون محكوما بحكمهم ، أو من ما لا يفيد في إيمانهم : ﴿سُبْحانَ رَبِّي﴾ وتنزّه عمّا لا ينبغي له من إجابتكم فيما تسألونه تعنّتا ولجاجا ، وإن تسألوني أن أفعل تلك الامور بقوّة نفسي وقدرتي ، فأخبروني ﴿هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً﴾ عاجزا مثلكم ؟ وإنّما أكون ﴿رَسُولاً﴾ والرسول ليس فاعلا لما يشاء ، ولا حاكما على الله ، وإنّما عليه أن يأتي معجزة كافية في إثبات نبوته ، وقد أتيتكم فوق ما فيه الكفاية.
عن ابن عباس : أنّ عتبة وشيبة وأبا سفيان والنّضر بن الحارث وأبا البختري والوليد بن المغيرة وأبا جهل وعبد الله بن أبي امية [ وامية ] بن خلف ورؤساء قريش ، اجتمعوا عند ظهر الكعبة ، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمّد فكلّموه وخاصموه حتّى تعذروا فيه ، فبعثوا إليه أنّ أشراف قومك اجتمعوا لك ليكلّموك ، فجاءهم سريعا وهو يظنّ أنّه بدا لهم في أمره بداء ، وكان عليهم حريصا يحبّ رشدهم ويعزّ عليه عتبهم ، حتّى جلس إليهم فقالوا : يا محمّد ، إنا لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين ، وسفّهت الأحلام ، وشتمت الآلهة ، وفرّقت الجماعة ، وما بقي أمر قبيح إلّا وقد جئته فيما بيننا وبينك ، فإن كنت إنّما جئت بهذا تطلب به مالا جعلنا لك من الأموال ما تكون به أكثرنا مالا ، وإن كنت إنّما تطلب الشرف فينا سوّدناك علينا ، وإن [ كنت ] تريد ملكا ملّكناك علينا ، وإن كان هذا الرّئيّ (٢) الذي يأتيك قد غلب عليك - وكانوا يسمّون التابع من الجنّ الرأي - بذلنا أموالنا في طلب الطبّ لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « ما بي ما تقولون ، ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ، ولا للشرف فيكم ،
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ٥٧.
(٢) الرّئيّ : الجنّي يعرض للانسان ويطلعه على ما يزعم من الغيب. ويقال : به رئيّ من الجنّ : أي مسّ.