إلى الذرّة ساجدة وخاضعة ومبتهلة إليه تعالى بهذا المعنى فثبت عموميّة (مَنْ) لذوي العقول وغيرهم. وقوله (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) إلى قوله سبحانه (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) بيان لهذا المجمل. أي من في السّماوات ومن في الأرض. والقسم الثاني هو المعنى المتعارف والكيفية المعهودة أي وضع الجبهة على الأرض وهو خاصّ بالأصناف الثلاثة من الإنسان والملائكة والجنّ ، فلا عموميّة في كلمة (مَنْ) لغير ذوي العقول ، فذكر الشمس والقمر إلى قوله : والدّواب ، لبيان غير ذوي العقول. ورفعها إما لكونها مبتدءا وخبرها : ينقادون لأمر خالقهم ، وإما بتقدير : يسجد المقدّر بقرينة المذكور في الكلام. غاية الأمر الأول بمعنى وضع الجبهة على وجه الأرض أو ما في حكمها. والثاني بمعنى الخضوع والتذلل التكويني الذّاتي الذي أشرنا إليه آنفا (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) أي من الناس بكفره لإبائه الانقياد والطّاعة والسّجود (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ) أي من يحتقره (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) لا يكرمه أحد (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) عن الصّادق عليهالسلام عن أبيه عن أمير المؤمنين عليهمالسلام : أنه قيل له إن رجلا يتكلم في المشيئة فقال عليهالسلام : ادعه لي. قال فدعي له فقال له : يا عبد الله خلقك الله لمّا شاء أو لمّا شئت؟ قال : لمّا شاء. قال فيمرضك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال : إذا شاء قال فيشفيك إذا شاء أو إذا شئت؟ قال إذا شاء. قال فيدخل حيث يشاء أو حيث شئت؟ قال حيث يشاء. قال فقال علي عليهالسلام لو قلت غير هذا لضربت الذي فيه عيناك.
* * *
(هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ