أن يكون الآيات المذكورة في هذه السورة (آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) النازلة من اللّوح المحفوظ أو آيات الكتاب الذي وعد الله بإنزاله على محمّد صلىاللهعليهوآله ليكون معجزة باقية له. ويقوّي الأخير في النظر أنّ السرّ في اتّصافه بالمبين هو لا بدّ أن يكون لنكتة بيان ذلك. والمبين من أبان الشيء بمعنى أوضحه فهو بمعنى الموضح ، فوصف به الكتاب في كثير من الموارد رمز لأمر مهم وإلّا فكل كتاب موضح لقصد مؤلفه ومصنفه من حيث اشتماله على الحجج والبراهين على حسب استعداد المؤلّف ومراتب علمه ومعرفته.
فوصف هذا الكتاب به ليس فيه كثير فائدة فيصبح هذا التقييد شبيها بتوضيح الواضحات. وكتاب الله منزّه عن ذلك فلا بد من بيان الفارق ، وذلك أن هذا الكتاب محتو على مقاصد مهمّة وراء مقاصد المخلوقين في تآليفهم وكتبهم ، لأن الله تعالى أنزله على نبيّه محمد صلىاللهعليهوآله ، ليكون بنفسه مثبتا لرسالته ومصدّقا لما يقول وليتحدّى الناس به ، من قوله أوّلا : أيّها الناس قولوا لا إله إلّا الله وغيره من الأحكام والشّرائع والإنذار والبشارة إلخ ... وكيف يكون هذا الكتاب بنفسه مثبتا لما ذكرناه لاشتماله مع قطع النظر على الفصاحة والبلاغة التي عجز فصحاء العرب أن يأتوا ولو بسورة من مثله ، ففيه أمور غريبة عجيبة كإخباره عن المغيبات التي لا يعلمها إلّا الله وكأحوال أنبياء السّلف وأممهم مع فراعنة عصورهم ، وكخلق السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما ومبدأ نشوء الإنسان وخلقه وغير ذلك من العلوم البديعة والمعارف الغريبة التي لم يكن يعرفها غيره تعالى ، إلّا من خوطب بهذا الكتاب وأنزل عليه. وتلك المقاصد الرفيعة السّامية لا بدّ أن تبقى إلى الأبد ، فالمثبت لها والموضح كذلك أبديّ كما أنه تعالى وعدنا بحفظه وإبقائه بقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) فأين من هذا الإيضاح ورب الأرباب؟ إيضاح سائر الكتب ، واين التراب والحاصل أنه لا بد من ذكر وصف الابانة والإيضاح في كل ما يذكر فيه الكتاب الكريم حيث إنّه أبدى مثل الموصوف. وهذا البيان بناء على أن (الْمُبِينِ) من أبان