باختيار الخلق ، وفي الإكمال عن القائم عليهالسلام أنه سئل عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار الإمام لأنفسهم. قال : مصلح أم مفسد؟ قيل : مصلح. قال : هل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد. قيل : بلى. قال : فهي العلة ، وأوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك. ثم قال عليهالسلام : أخبرني عن الرّسل الذين اصطفاهم الله عزوجل وأنزل عليهم الكتاب وأيّدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأمم ، مثل موسى وعيسى هل يجوز مع وفور عقلهما ، إذ هما بالاختيار ، أن يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان أنه مؤمن قيل : لا. قال : هذا موسى كليم الله ، مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي إليه ، اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه ولاستماع كلام ربّه عزوجل سبعين رجلا ممّن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقع خيرته على المنافقين ، قال عزوجل : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) ، إلى قوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ). فلمّا وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله عزوجل للنبوّة واقعا على الأفسد دون الأصلح ، وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد ، علمنا أن الاختيار لا يجوز أن يقع إلّا ممّن يعلم ما تخفي الصدور وتكنّ الضمائر وتنصرف إليه السرائر ، وأنه لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لمّا أرادوا الصلاح.
وهكذا فإنه سبحانه يقيم الحجة على صحة اختياره بقوله : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) ، إذ يعلم ما تضمر الصدور وما تخفي النفوس من عداوة الرسول والمؤمنين ، ويعلم (ما يُعْلِنُونَ) ما يبرزونه ويظهرونه من الطعن في نبوّة النبيّ وتكذيب القرآن. فمن يكون هذا شأنه ينبغي أن يختار الأصلح ، لا من يعلم ظواهر الأشخاص دون بواطنهم. فكيف بمن لا يميّز الأصلح ، لا من يعلم ظواهر الأشخاص دون بواطنهم. فكيف بمن لا يميّز الأصلح من الأفسد؟ والحاصل أنه سبحانه وتعالى هو المتفرّد في الخلق وفي اختيار الأصلح لقيادة عباده وهداهم ، وهو منزّه عن الشريك والمنازع في