ومن باب الصدفة وافق ذلك يوم نصر المؤمنين ببدر فنزل به جبرائيل عليهالسلام وأخبر النبيّ صلىاللهعليهوآله بغلبة الرّوم على الفرس ففرحوا بالنّصرين (بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) أي ينصر بمقتضى الحكمة ، هؤلاء تارة وهؤلاء أخرى (وَهُوَ الْعَزِيزُ) القادر بخذلانه لمن يشاء (الرَّحِيمُ) العطوف بنصره من يشاء من عباده طبق حكمته وروي إن اليوم الذي يفرح فيه المؤمنون بنصر الله هو يوم غزا المسلمون فارس وافتتحوها ففرحوا بذلك. وأنّ ذلك (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) الوعد مصدر للفعل المقدّر وهو وعد ونصبه به وهو مؤكّد لنفسه حيث إن ما قبله في معنى الوعد ، وهذا نحو : له عليّ ألف درهم اعترافا. ومعناه : وعد الله ذلك ولا يخلف الله وعده حيث إن خلف الوعد عليه ممتنع لأن أله إلى الكذب والكذب محال في حقّه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) صحة وعده وامتناع الخلف عليه لجهلهم به تعالى. فالناس لا (يَعْلَمُونَ) إلّا (ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي التمتّع بزخارفها والتنعّم بملاذها ومنافعها. ولا يعرفون منها إلّا ما يشاهدون ويعاينون بأعينهم الظاهرية. (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ) التي هي الغرض الأصلي منها (هُمْ غافِلُونَ) وقوله ظاهرا من الحياة الدنيا يفيد معنى وهو أن للدّنيا ظاهرا وباطنا. أمّا الظاهر فهو الذي يعلمه الجهّال مما قد ذكرناه وأمّا الباطن فهو كونها مجازا وممرّا إلى الآخرة فيجب أن يتزوّد الإنسان منها للآخرة بالطاعات والأعمال الصالحة والتجهّز لها بتلك الأعمال ، و (هُمْ غافِلُونَ) أي لا تخطر ببالهم فيرون حاضر الدنيا ويتغافلون عن العقبى.
* * *
(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي