المختلفة .. ووجه ما قلنا من كون السماوات والأرض أظهر الآيات لأن بعض الملاحدة كان يناقش في خلق البشر وغيره وأن البشر وأمثاله كان بسبب ما في العناصر من الكيفيّات التي تتركب منها الأشياء ، ولكن سها الملحد أنه لا يقدر أن يلقي هذه الشبهة فما بسبب امتزاج العناصر وجدت هذه الكائنات التي ليست من العناصر (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ) أي من حيث اللغات فإن لكلّ صنف لغة إمّا بتعليم الله تعالى وإمّا بالهامه لهم ، من العربيّ والفارسيّ والتركيّ والزنجيّ والهنديّ والروسيّ وأمثالهم من أهل اللّغات ، وإمّا بإعطائهم القدرة على جعل اللغات ووضعها بكيفيّة تركيبها من الحروف الهجائيّة ومن حيث الأصوات وكيفية أدائها ، فإنه لا يوجد منطق يتماثل ويساوي من جميع الجهات منطقا آخر من الهمس والجهر ، والرخاوة والحدّة والفصاحة واللّكنة وكيفية النظم والأسلوب وغيرها من صفات النطق وأحوالها. وقال صاحب اللّباب بأن أصول اللغات اثنان وسبعون أصلا (وَأَلْوانِكُمْ) من الأبيض والأسود والأحمر والأصفر ، أو المراد اختلاف خلق الأعضاء والهيآت والأشكال على وجه يتمايز فيعرف كلّ شخص من الآخر ولولا ذلك التمايز والتّعارف سواء حصلا من ناحية الألوان أو من اختلاف الصّور والهيآت والأشكال وكان الأوادم متوافقون متماثلون متساوون في الأشكال والصّور من جميع الخصوصيات ، لصار موجبا للتجاهل والالتباس فتتعطل مصالح كثيرة وتقع مفاسد إلى ما لا نهاية له ويختلّ النظام العام كما لا يخفى على من له أدنى دربة فتبارك الله أحسن الخالقين ، والحمد لله على تلك النعم العظيمة. ثم إنه سبحانه جعل التمايز والتعارف بأمرين : للمبصر بالألوان ، وللأعمى باختلاف الألسنة والأصوات ، ومن كان بحكم الأعمى أيضا يعرف أن المتكلم وراء جدار أو مانع آخر من المشاهدة. وهذه الآيات الثلاث المذكورة في الشريفة المزبورة أدلّ دليل على تمام القدرة وكمال الحكمة من صانع حكيم ثم قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) فنبّه بقوله هذا بناء على قراءة فتح لام العالمين أن هذه الآية العظيمة من الآفاقيّة والأنفسيّة