والنّجم إذا هوى ، فلمّا بلغ قوله تعالى : (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ، سكت. فقرأ الشيطان : « تلك الغرانيق العلى ، وإنّ شفاعتهنّ لترجى » فوقع عند بعضهم أنه صلىاللهعليهوآله قرأ ذلك ، وكان الشيطان في ذلك الحين يتكلّم ويسمع كلامه الحاضرون في المسجد دون أن يروه.
ويمكن أن يكون التمنّي على ظاهره ، أي : وما من رسول ولا نبيّ إلّا إذا تمنّى لأمّته الإيمان ، ألقى الشيطان في طريق أمنيّته العثرات وأقام بينه وبين مقصده العقبات ، فينسخ الله ما يلقي الشيطان من الموانع والعوائق التي يبثّها في قلوب أوليائه ، ثم يحكم الله آياته بأن يجعلها ثابتة ومتقبّلة لدى المؤمنين ؛ ولعل هذا الوجه أوجه والله العالم.
ونرجع فنقول : إنما سمّيت التلاوة أمنيّة لأن القارئ إذا قرأ فانتهى إلى آخر آية رحمة تمنّى أن يرحمهالله تعالى ، وإذا انتهى إلى آخر آية عذاب تمنّى أن يوقاه ودعا الله أن ينجّيه منه. والحاصل أنه سبحانه ينسخ ما يلقي الشيطان أثناء التلاوة ويبطله ويزيله بعصمته وهدايته إلى ما هو الحق ، ثم يحكم آياته فيثبت دلائله الداعية إلى مخالفة الشيطان اللّعين (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) عالم بما يجري غاية العلم ، حكيم فيما يقضي بأعظم الحكمة.
أمّا إلقاء الشيطان في الأمنيّات فهو :
٥٣ ـ (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ...) أي ليصير إلقاء الشيطان امتحانا واختبارا لمرضى القلوب ومزعزعي العقيدة (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) المتحجّرة التي لا يلجها ذكر الله تعالى. وهذه الآية الكريمة تبيّن علّة تمكين الله تعالى للشيطان بأن يلقي في وقت تلاوة الرّسل والأنبياء ما يشبه الذي نزل من عنده ، وهو ليس من عنده ، فيقع في القلوب المتردّدة الشاكّة لدى المنافقين. وعبارة : والقاسية قلوبهم عطف على الموصول ، وهم الكفرة. فحاصل الكريمة أن علّة التمكين من الإلقاء هي لمزيد كفر الكفرة ونفاق المنافقين المعاندين لعدم تأمّلهم وتفكّرهم في الفرق