تقدمه على الافئدة فيمكن ان يكون لأنّ احتياج القلب إليه كثير حيث إن القلب له جهة سلطان على جميع الجوارح والقوى على ما في الرّوايات ، فهو الآمر لها والمستخدم لها في آن واحد ، فهي بتحريكه متحرّكة وبأمره مؤتمرة. وحيث بيّنا أن السّمع فائدته كثيرة فاحتياجه إليها قهرا كثير وأشدّ من باقي القوى. فالمحوج إليه من هذه الحيثيّة مقدّم على المحوج. فيحتمل أن يكون تقدّمه لفظا وذكرا من هذه الجهة ويمكن أن يقال في وجه التقديم أنه بلحاظ أن طريق ادراك القلب هو القوى الظاهرية غالبا وفي رأسها السّمع والبصر فهما السّبب لإدراكه الأشياء والسبب مقدّم رتبة ، ففي مرحلة اللفظ قدّما تبعا ووفقا لمقام الرتبة والله أعلم. وأما معنى فالقلب مقدّم على جميع القوى الظاهريّة والباطنية وعلى الجوارح كلّها ، فإنّ مقامه في بدن الإنسان الذي هو عالم صغير مقام السلطان في العالم الكبير ، فكما أن العالم الكبير يختلّ نظامه بفقد السلطان وكذلك يختلّ نظام بدن الإنسان بفقد الفؤاد ، كفقد السلطان بموته أو عزله. لكنّ فقد القلب بتغطيته بناء على ما في الحديث من وقوع نقطة سوداء في القلب إذا عصى صاحبه ، وكلّما ازداد العبد إثما تزيد النقطة وتكبر إلى أن تعمّ القلب بتمامه وتغطّيه فيصير أسود مظلما فتختل القوى طرا عن وظائفها المقرّرة وعمليّتها الطبيعيّة. وقد قال تعالى مشيرا إلى هذا : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) فينزل أشرف الموجودات من ذروة مقامه السّامي ، أي الانسانيّة ، إلى حضيض مرتبة البهيميّة بل إلى الأخس منها. وأما وجه جمع الأبصار والأفئدة فلعله للإشارة إلى كثرة أفراد نوعهما ، فإن مبصرات الإنسان أكثر بمراتب من مسموعاته لأنّه نوعا عيناه مفتوحتان غير وقت نومه وهو يبصر ما يبصره وفي كثير من تلك الأوقات لا يسمع شيئا ولا سيّما في أوقات وحدته والحاصل أن المدّعى أمر وجداني لا يحتاج إلى برهان غير الرجوع إلى الوجدان. وأما القلب فوظيفته الإدراك على ما برهن في محلّه ، وكلّما يسمعه الإنسان أو يبصره فالقلب يدركه طبق عمله ولا عكس ، لأنه