إتيان العبد وإقدامه في مقام إطاعة ربّه بجدّ النفس وخلوصها عن شوائب الرّياء والسّمعة وتمام الخشوع وكمال الخضوع بحيث كأنه يرى ربّه تعالى وإن لم يكن يراه ، فهو متيقن بأن خالقه يراه. وهذا لعلّه الذي يسمّى بجهاد الحق ، وبعض يسمّونه برتبة الإحسان أي جهاد رتبة الإحسان ، وهذا اصطلاح منه. فإن من أتى هكذا بطاعة ربّه وعبده حقّ عبادته فهو ممّن أحسن طاعة ربّه ، أي أطاعه إطاعة حسنة. فهو تعالى يجزيه جزاء الإحسان كما قال : هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان؟ فلا مشاحّة في اصطلاحه (هُوَ اجْتَباكُمْ) اختاركم (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) أي انه تعالى لم يضيق عليكم أمر الدّين فلن يكلّفكم ما لا تطيقونه حيث إنه رخّص عند الضرورات كالقصر والتيمم وأكل الميتة ونحوها فلا عذر لكم في تركه (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) نصب الملّة يمكن أن يكون بتقدير أخصّ أو أعني أو بتقدير حرف جر أي بنزع الخافض ، وملّة إبراهيم دينه لأن ملة إبراهيم داخلة في ملة محمد صلىاللهعليهوآله وانّما سماه أبا للجميع لان حرمته على المسلمين كحرمة الوالد على أولاده ، كما قال نبيّنا صلوات الله عليه وآله : أنا وعليّ أبوا هذه الأمّة ، وقال سبحانه : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) ، مضافا إلى أنه قيل إن العرب من ولد إسماعيل عليهالسلام ، وأكثر العجم من ولد إسحاق ، وهما ابنا إبراهيم عليهمالسلام جميعا ، فالغالب عليهم أنهم أولاده (مِنْ قَبْلُ) أي قبل نزول القرآن وذلك مذكور في الكتب السماويّة التي مضت (وَفِي هذا) ففي هذا القرآن خاصة ، أيضا بيان أن أباكم إبراهيم عليهالسلام و (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) يوم دعا الله لنبيّكم ولكم (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) الجارّ متعلّق (بسماكم) ومعناه : ليكون محمد يوم القيامة شاهدا عليكم بأنه بلّغكم ، أو شاهدا بطاعتكم أو بعصيانكم (وَتَكُونُوا) أيّها المسلمون (شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) بتبليغ رسلهم إليهم بما جاء من عند ربّهم ، فحافظوا على صلواتكم ، وأدّوا زكواتكم (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) تمسّكوا بدينه فإنه خير طريق لنجاتكم (هُوَ مَوْلاكُمْ) ناصركم ومتولّي أموركم ، وهو