جنحت السفينة في البحر قام الخضر إلى جوانب السفينة فكسرها فحشاها بالخرق (١) والطين ، فغضب موسى عليهالسلام غضبا شديدا و﴿قالَ﴾ للخضر معترضا عليه : ﴿أَ خَرَقْتَها﴾ وشققتها ﴿لِتُغْرِقَ أَهْلَها﴾(٢) مع أنّهم محسنون بنا حيث حملونا بلا اجرة ؟ ! بالله ﴿لَقَدْ جِئْتَ﴾ وفعلت ﴿شَيْئاً﴾ وفعلا ﴿إِمْراً﴾ وشنيعا ، أو عظيما ، أو عجيبا.
القمي : هو المنكر ، وكان موسى ينكر الظلم فأعظم ما رأى (٣)﴿قالَ﴾ الخضر لموسى عليهالسلام إنكارا عليه ، أو تقريرا : ﴿أَ لَمْ أَقُلْ﴾ لك ﴿إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾ وأنت وعدتني الصبر ، فلم خالفت ؟
﴿قالَ﴾ موسى معتذرا إلى الخضر : ﴿لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ﴾ وصيّتك بترك السؤال من شدّة الغضب ، ولا مؤاخذة على الناسي ﴿وَلا تُرْهِقْنِي﴾ ولا تعنتني ﴿مِنْ أَمْرِي﴾ الذي أنا عليه من متابعتك ﴿عُسْراً﴾ ومشقّة ، بل يسّر متابعتك عليّ بالإغضاء وترك المناقشة ، فإنّي مشتاق إلى صحبتك ، ولا يمكنني ذلك إلّا بأن ترفق بي وتسامحني فيما يصدر منّي.
فقبل الخضر عذر موسى ، وخرجا من السفينة ﴿فَانْطَلَقا﴾ وذهبا معا ﴿حَتَّى إِذا﴾ مرّا بقرية و﴿لَقِيا﴾ في خارجها - على ما قيل (٤) - ﴿غُلاماً﴾ صبيحا ، فأخذه الخضر وذهب به خلف الجدار ﴿فَقَتَلَهُ.﴾
وعن ابيّ بن كعب ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « إنّهما خرجا من السفينة ، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده » (٥) .
وعن الرضا عليهالسلام في الحديث السابق : « فخرجوا من السفينة ، فنظر الخضر إلى غلام يلعب بين الصبيان حسن الوجه ، كأنّه قطعة قمر ، وفي اذنيه درّتان ، فتأمّله الخضر ثمّ أخذه وقتله ، فوثب موسى عليهالسلام على الخضر وجلد به الأرض » (٦) . ﴿قالَ﴾ انكارا لفعله ﴿أَ قَتَلْتَ﴾ يا خضر ﴿نَفْساً زَكِيَّةً﴾ طاهرة من الذنوب ﴿بِغَيْرِ﴾ قتل ﴿نَفْسٍ﴾ محترمة يوجب القصاص ؟ !
قيل : إنّ الغلام كان بالغا ، لأنّ الصغير لو قتل أحدا لا يقتصّ منه (٧) . وفيه : لعلّ المراد بيان إنحصار مجوّز القتل في الحدود والقصاص ، وإن لم يكن في الصغير أحد موجباته.
وقيل : لعلّ الصغير كان يقاد في شرع موسى ، كما أنّ الصغار كانوا مكلّفين قبل الهجرة ، وفي عام
__________________
(١) في النسخة : بالخزف.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٣٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٥٤.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٤٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٥٣.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٢٧٩.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٢٧٩.
(٦) تفسير القمي ٢ : ٣٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٥٤ ، وجلد به الأرض : صرعه.
(٧) تفسير روح البيان ٥ : ٢٧٩.