مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً قُلْنا يا ذَا
الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً * قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ
نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ
جَزاءً الْحُسْنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً * حَتَّى إِذا بَلَغَ
مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً (٨٤) و (٩٠)﴾
ثمّ شرع سبحانه في ذكر قصته بقوله : ﴿إِنَّا مَكَّنَّا﴾ وأقدرنا ﴿لَهُ﴾ من حيث القوى والأسباب ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ كلّها مشرقها ومغربها ﴿وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الأشياء ، وكلّ أمر من الأمور التيّ لها دخل في قدرته وسلطانه ﴿سَبَباً﴾ ووسيلة توصله إليه من العلم والتدبير والرأي والمال والجند ، فإذا أراد شيئا ﴿فَأَتْبَعَ﴾ واتّخذ له ﴿سَبَباً﴾ وطريقا يوصله إليه.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام في حديث : ثمّ رفعه الله إلى السماء الدنيا ، فكشط له عن الأرض كلّها جبالها وسهولها وفجاجها حتى أبصر ما بين المشرق والمغرب ، وآتاه الله من كلّ شيء فعرف به الحقّ والباطل ، وأيّده في قرنه بكسف من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ، ثمّ أهبطه إلى الأرض ، وأوحى إليه : أن سر في ناحية غرب الأرض وشرقها ، فقد طويت لك البلاد ، وذلّلت لك العباد ، فأرهبتهم منك. فسار إلى ناحية المغرب ، فكان إذا مرّ بقرية يزأر فيها كما يزأر الأسد المغضب ، فينبعث من قرنيه ظلمات ورعد وبرق وصواعق تهلك من ناواه وخالفه » (١) .
وعن ابن عبّاس : أنّه عند ما تواضع لإبراهيم وعانقه ، سخّر له السّحاب (٢) .
قيل : كانت السّحاب تحمله وعساكره وجميع آلاتهم إذا أرادوا غزوة قوم (٣) .
وقال بعض العامة : أنّه سخّر له السّحاب ، وبسط له النور ، وكان الليل والنهار عليه سواء (٤) . وقد مرّ أنّهم قالوا : سخّر له النور والظلمة ، فكان إذا سرى يهديه النّور من أمامه ، وتمدّه الظلمة من ورائه (٥) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه سئل عن ذي القرنين ، فقال : « سخّر له السّحاب ، وقرّبت له الأسباب ، وبسط له النور ، وقال : كان يضيء (٦) [ بالليل كما يضيء ] بالنهار » الخبر (٧) . فسار طلبا لماء الحياة ﴿حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ﴾ ومنتهى الأرض من جهتها المتّصلة (٨) بالبحر المحيط بحيث إذا نظر إلى
__________________
(١) تفسير العياشي ٣ : ١١٢ / ٢٧٠٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٦٠.
(٢ - ٤) تفسير روح البيان ٥ : ٢٩١.
(٥) تفسير الرازي ٢١ : ١٦٤ ، تفسير أبي السعود ٥ : ٢٤١ وقد تقدّم آنفا في تفسير الآية (٨٣) من هذه السورة.
(٦) في تفسير العياشي : يبصر ، وكذا التي بعدها.
(٧) تفسير العياشي ٣ : ١١٢ / ٢٧٠٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٦٠.
(٨) في النسخة : من جهته المتّصل.