الشمس ﴿وَجَدَها﴾ حين غروبها ﴿تَغْرُبُ﴾ وتغيب ﴿فِي عَيْنٍ﴾ ذات ﴿حَمِئَةٍ﴾ وطين أسود وماء كدر.
قيل : لمّا بلغ موضعا لم يبق بعده عمارة في جانب المغرب ، وجد الشّمس كأنّها تغرب في وهدة مظلمة ، كما أنّ الراكب في البحر يراها كأنّها تغرب في البحر إذا لم ير الساحل ، وفي الحقيقة تغرب وراء البحر ، وإلّا فإنّه كان من علماء النّجوم ، وكان معلوما عنده أنّ الأرض كرويّة ، والسماء محيطة بها ، والشمس في الفلك الرّابع ، ولا يمكن جلوس قوم عند الشّمس كما حكاه الله بقوله : ﴿وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً﴾ مع أنّ الشّمس أعظم من الأرض مرّات كثيرة ، فكيف يمكن دخولها في عين من الأرض ؟ ! (١)
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « في عين حامية ، في بحر دون المدينة التي تلي المغرب » يعني جابلقا(٢).
وعنه عليهالسلام : « لمّا انتهى مع الشّمس إلى العين الحامية ، وجدها تغرب فيها ، ومعها سبعون ألف ملك يجرّونها بسلاسل الحديد والكلاليب ، يجرّونها من (٣) قعر البحر في قطر الأرض الأيمن ، كما تجري السفينة على ظهر الماء » (٤) .
قال الفخر الرازي : قال أهل الأخبار في صفة ذلك الموضع أشياء عجيبة ، قال ابن جريج : هناك مدينة لها اثنا عشر ألف باب ، لو لا أصوات أهلها سمع النّاس وجبة الشّمس حين تغيب (٥) .
أقول : وقال بعض العامة : هم أهل جابلص ، وهي مدينة يقال لها بالسريانية جرجليسا (٦) ، لها عشرة آلاف باب ، بين كلّ بابين فرسخ ، يسكنها قوم من بقية ثمود الذين آمنوا بصالح وآمنوا بالنبيّ صلىاللهعليهوآله لمّا مرّ بهم في ليلة الاسراء (٧) .
وقال بعض علمائهم : حديث جابلصا وجابلقا ، وإيمان أهاليهما ليلة المعراج ، وأنّهما من الإنسان الأوّل ، فمشهور (٨) .
وقيل : إنّ القوم الذين وجدهم ذو القرنين كانوا عبدة الأصنام ، لهم أعين خضر وشعور حمر ، يلبسون جلود الحيوانات ، ويأكلون لحوم البحر (٩) .
﴿قُلْنا﴾ بطريق الإلهام : ﴿يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ﴾ هم بالقتل على كفرهم ﴿وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٢٩٢.
(٢) تفسير العياشي ٣ : ١٢٣ / ٢٧٠٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٦١ ، وفي معجم البلدان عن ابن عباس : أن جابلقا مدينة بأقصى المغرب ، وأهلها من ولد عاد. معجم البلدان ٢ : ١٠٥.
(٣) في النسخة : في.
(٤) تفسير العياشي ٣ : ١١٣ / ٢٧٠٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٦١.
(٥) تفسير الرازي ٢١ : ١٦٧.
(٦) في تفسير روح البيان : جرجيسا. والذي في معجم البلدان : جابرس : مدينة بأقصى المشرق ، وأن بها بقايا المؤمنين من ثمود ، وفي مادة ( جابلق ) عن ابن عباس : أن أهل جابرس من ولد ثمود. معجم البلدان ٢ : ١٠٥.
(٧ - ٩) تفسير روح البيان ٥ : ٢٩٣.