قيل : إنّ التقدير هذا المتلوّ عليك ذكر رحمة ربّك التي رحم بها عبده زكريّا (١) .
وقيل : إنّ التقدير أعني عبده (٢) .
وعن الباقر عليهالسلام : ﴿ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا﴾ فرحمه » (٣) ،
﴿إِذْ نادى رَبَّهُ﴾ ودعاه ﴿نِداءً﴾ ودعاء ﴿خَفِيًّا﴾ في محراب بيت المقدس من بعد تقريب القربان ، على ما قيل (٤) .
وإنّما أخفى دعاءه ؛ لأنّه أقرب إلى الإخلاص والإجابة. كما في الحديث : « خير الدّعاء ما خفي» (٥) .
أو لخوفه من اطّلاع مواليه الذين كان يخافهم (٦) . أو لكونه في الصلاة (٧) . أو لئلّا يلام على طلب الولد في الشيخوخة. أو لضعفه وهرمه (٨) .
و﴿قالَ﴾ في دعائه : ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ﴾ وضعف ﴿الْعَظْمُ مِنِّي.﴾
قيل : اشتكى سقوط أضراسه (٩)﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً﴾ وابيضّ شعوره هرما ﴿وَلَمْ أَكُنْ﴾ من بدو عمري إلى الآن ﴿بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ وخائبا ، بل كلّما دعوتك استجبت لي ، فعوّدتني إنجاح مسألتي حين كنت قويّا ، فكيف تردّني عن بابك مع كمال رجائي بكرمك ونهاية ضعفي وشدّة حاجتي إلى رحمتك ؟ فتوسّل برحمته السابقة عليه بعد ذكر ما يستدعي الإجابة والرأفة من كبر السنّ وضعف الحال.
ثمّ ذكر ارتباط حاجته بأمر الدّين المقتضي لقضائها بقوله : ﴿وَإِنِّي﴾ أرى نفسي مشرفة على الموت و﴿خِفْتُ الْمَوالِيَ﴾ وبني العمومة ﴿مِنْ وَرائِي﴾ وبعد موتي أن لا يحسنوا خلافتي على بني إسرائيل ، فيغيّروا دينهم. قيل : كان بنو عمّه شرار بني إسرائيل (١٠) .
وعن الباقر عليهالسلام في تفسير الموالي قال : « هم العمومة وبنو العمّ » (١١) .
والقمي يقول : خفت الورثة بعدي (١٢)﴿وَكانَتِ امْرَأَتِي﴾ وزوجتي إيشاع بنت فاقوذ على قول(١٣).
أو بنت عمران على آخر (١٤)﴿عاقِراً﴾ لم تلد أبدا ﴿فَهَبْ لِي﴾ وأعطني ﴿مِنْ لَدُنْكَ﴾ ومن محض رحمتك وفضلك وسعة قدرتك بطريق الإختراع وخرق العادة ﴿وَلِيًّا﴾ وولدا من صلبي ﴿يَرِثُنِي﴾ جميع تركتي من المال والعلم والدين والنبوّة ، كما رواه الفخر الرازي عن ابن عباس والحسن
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ١٨٠. (٢) تفسير الرازي ٢١ : ١٧٩.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٤٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٣. (٤) تفسير روح البيان ٥ : ٣١٣.
(٥) مجمع البيان ٦ : ٧٧٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٣. (٦) تفسير الرازي ٢١ : ١٨٠ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣١٣.
(٧) تفسير الرازي ٢١ : ١٨٠. (٨) تفسير الرازي ٢١ : ١٨٠ ، تفسير البيضاوي ٢ : ٢٧.
(٩) تفسير روح البيان ٥ : ٣١٣. (١٠) تفسير روح البيان ٥ : ٣١٤.
(١١) مجمع البيان ٦ : ٧٧٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٣. (١٢) تفسير القمي ٢ : ٤٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٣.
(١٣ و١٤) تفسير روح البيان ٥ : ٣١٤.