﴿أَيُّهُمْ أَشَدُّ﴾
وقيل : إنّ التقدير أيّهم هو اشد وأزيد ﴿عَلَى الرَّحْمنِ﴾ وخالق الموجودات برحمته العامة ﴿عِتِيًّا﴾ وتمرّدا وظغيانا ، ليعلم أنّ عذابه أشدّ حتى يخصّه به.
وحاصل المراد - والله العالم - أنّه تعالى يحضر جميع الفرق الضالّة أوّلا حول جهنّم ، ثمّ يميّز بعضهم من بعض ، فمن كان أزيد منهم تمرّدا وأصرّ على الكفر ، يلقى أوّلا في جهنّم ، ويخصّ بأشدّ العذاب ، ثمّ تميّز من دونهم في التمرّد وهكذا.
والحاصل أنّه يبدأ بالأعصى فالأعصى على الترتيب إلى آخرهم ، كما قال : ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى﴾ بجهنّم وأحقّ ﴿بِها صِلِيًّا﴾ وإلقاء أو دخولا ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ﴾ أيّها النّاس مؤمنكم وكافركم ﴿إِلَّا وارِدُها كانَ﴾ إنجاز ذلك الوعد ﴿عَلى رَبِّكَ﴾ أمرا ﴿حَتْماً﴾ وواجبا و﴿مَقْضِيًّا﴾ ومحكوما به بحكم مبرم ، لا يمكن عدم نفوذه ﴿ثُمَّ نُنَجِّي﴾ ونخلّص من النّار المؤمنين ﴿الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ الشّرك والمعاصي ﴿وَنَذَرُ﴾ ونترك ﴿الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بالكفر والعتوّ ﴿فِيها﴾ حال كونهم ﴿جِثِيًّا﴾ وجميعا ، أو جالسين على ركبهم ، للعجز عن القيام والحراك.
قال بعض العامة : المراد بالورود الحضور حولها ، مستدلا بما عن النبيّ صلىاللهعليهوآله من أنّه قال : « لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبيّة » فقالت حفصة : أ ليس الله يقول : ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها﴾ فقال صلىاللهعليهوآله : « [ فمه ؟ ]﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾(١) . فعلم أنّ المراد من الورود القرب منها ، وإلّا لم يكن ما قاله صلىاللهعليهوآله جوابا عن سؤال حفصة ، وهذا كقول العرب : وردت بلد كذا وماء كذا ، يعني أشرفت عليه ، دخلت فيه أو لم تدخله ، وكقوله تعالى : ﴿وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ﴾(٢) .
وعن الصادق عليهالسلام : « أما تسمع الرّجل يقول : وردنا ماء بني فلان ، فهو الورود ولم يدخل » (٣) وأستدل بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ﴾(٤) .
وقيل : إنّ المراد منه الدخول فيها (٥) ، ثمّ يبعد المؤمنين منها ويذر الظّالمين فيها.
روي أنّ عبد الله بن رواحة قال للنبيّ صلىاللهعليهوآله : أخبر الله عن الورود ، ولم يخبر عن الصدور ؟ فقال صلىاللهعليهوآله : « يابن رواحة ، اقرأ ما بعدها : ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾(٦) .
وعن جابر بن عبد الله ، أنّه سئل عن هذه الآية ، فقال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : الورود الدخول ،
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ٢٤٣.
(٢) القصص : ٢٨ / ٢٣.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٥٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٨٩.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٥٢ ، والآية من سورة الأنبياء : ٢١ / ١٠١.
(٥) تفسير الرازي ٢١ : ٢٤٣.
(٦) تفسير الرازي ٢١ : ٢٤٣.