ترابها كالمسك ، وإذا جارية تنغمس في أنهار الجنة ، فقلت : لمن أنت يا جارية ؟ فقالت : لزيد بن حارثة فبشّرته بها حين أصبحت ، وإذا بطيرها كالبخت (١) ، وإذا رمّانها مثل الدّلاء العظام ، وإذا شجرة لو ارسل طائر في أصلها ما دارها سبعمائة (٢) سنة ، وليس في الجنة منزل إلّا وفيه فرع منها ، فقلت : ما هذه يا جبرئيل. فقال : هذه شجرة طوبى ، قال الله تعالى : ﴿طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾(٣) .
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : فلما دخلت الجنّة ، رجعت إلى نفسي فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهولها وأعاجيبها ، فقال : هي سرادقات الحجب التي احتجب الله تبارك وتعالى بها ، ولو لا تلك الحجب لهتك نور العرش كلّ شيء فيه.
فانهيت إلى سدرة المنتهى ، فاذا الورقة منها تظلّ أمّة من الامم ، فكنت [ منها ] كما قال الله تعالى : ﴿فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى﴾(٤) فناداني ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾(٥) وقد سبق ذلك في آخر سورة البقرة. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا ربّ ، أعطيت أنبياءك فضائل فأعطني. فقال : قد أعطيتك في ما أعطيتك كلمتين من تحت عرشي : لا حول ولا قوة إلّا بالله ، ولا منجى منك إلّا إليك.
قال : وعلّمتني الملائكة قولا أقوله إذا أصبحت وأمسيت : اللهم إن ظلمي أصبح مستجيرا بعفوك ، وذنبي أصبح مستجيرا بمغفرتك ، وذلّي أصبح مستجيرا بعزّك ، وفقري أصبح مستجيرا بغناك ، ووجهي [ الفاني ] البالي أصبح مستجيرا بوجهك الباقي (٦) الذي لا يفنى.
ثمّ سمعت الأذان ، فإذا ملك يؤذّن لم ير في السماء قبل تلك الليلة ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، فقال الله : صدق عبدي ، أنا أكبر. فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله. فقال الله : صدق عبدي أنا الله لا إله غيري. فقال : أشهد أن محمّدا رسول الله ، أشهد أنّ محمّدا رسول الله. فقال الله : صدق عبدي إنّ محمّدا عبدي ورسولي. أنا بعثته وأنا انتجبته. فقال : حيّ على الصلاة ، [ حيّ على الصلاة ] فقال : صدق عبدي ، ودعا إلى فريضتي ، فمن مشى [ إليها ] راغبا فيها محتسبا ، كانت كفارة لما مضى من ذنوبه. فقال : حيّ على الفلاح ، [ حيّ على الفلاح. ] فقال الله : هي الصلاح والنجاح والفلاح ، ثمّ أممت الملائكة في السماء كما أممت الأنبياء في بيت المقدس.
قال : ثمّ غشيتني ضبابة ، فخررت ساجدا ، فناداني ربّي : إنّي قد فرضت على كلّ نبيّ كان قبلك خمسين صلاة ، وفرضتها عليك وعلى أمّتك ، فقم بها أنت في أمّتك فقال : رسول الله : فانحدرت حتّى مررت بابراهيم فلم يسألني عن شيء ، ثمّ انتهيت إلى موسى ، فقال : ما صنعت يا محمّد ؟ فقلت :
__________________
(١) البخت : الإبل الخراسانية.
(٢) في المصدر : تسعمائة.
(٣) الرعد : ١٣ / ٢٩.
(٤) النجم : ٥٣ / ٩.
(٥) البقرة : ٢ / ٢٨٥.
(٦) في المصدر : الدائم.