ثمّ بيّن سبحانه حكمة الأمر بالحجّ بقوله : ﴿لِيَشْهَدُوا﴾ وليحضروا ﴿مَنافِعَ﴾ مختصّة بهذه العبادة ﴿لَهُمْ﴾ من المنافع الدنيويّة ، كالتجارة في أيّام الحجّ كما قيل (١) ، أو منافع أخرويّة كما رواه بعض العامّة عن الباقر عليهالسلام (٢) ، أو هما كما عن الصادق عليهالسلام أنّه يطاف به حول الكعبة في محمل ، وهو شديد المرض ، فكان كلّما بلغ الرّكن اليماني أمرهم فوضعوه على الأرض ، فأخرج يده من كوّة المحمل حتى يجرّها على الأرض ، ثمّ يقول : « ارفعوني » فلمّا فعل ذلك مرارا في كلّ شوط ، قيل له : يابن رسول الله ، إنّ هذا يشقّ عليك ؟ فقال : « إنّي سمعت الله عزوجل يقول : ﴿لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ﴾ فقيل : منافع الدنيا أو منافع الآخرة ؟ فقال : « الكلّ » (٣) .
وعنه عليهالسلام : أنّه قيل له : لو أرحت بدنك من المحمل ؟ فقال : « إنّي أحبّ أن أشهد المنافع التي قال الله عزوجل : ﴿لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ﴾ إنّه لا يشهدها أحد إلّا نفعه الله ، أمّا أنتم فترجعون مغفورا لكم ، وأمّا غيركم فيحفظون في أهاليهم وأموالهم » (٤) .
وفي ( المجمع ) عنه عليهالسلام : « منافع الآخرة هي العفو والمغفرة » (٥) .
وعن الرضا عليهالسلام : « وعلّة الحجّ الوفادة على الله تعالى ، وطلب الزيادة ، والخروج من كلّ ما اقترف ، وليكون تائبا ممّا مضى ، ومستأنفا لما يستقبل ، وما فيه من استخراج الأموال وتعب الأبدان ، وحظرها عن الشّهوات واللذّات ، والتقرّب بالعبادة إلى الله عزوجل ، والخضوع والاستكانة والذلّ ، شاخصا [ إليه ] في الحرّ والبرد والأمن والخوف ، دائبا في ذلك دائما ، وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع والرغبة والرّهبة إلى الله تعالى ، ومنه ترك قساوة القلب ، وجسارة الأنفس ، ونسيان الذكر ، وانقطاع الرجاء والأمل ، وتجديد الحقوق ، وحظر الأنفس عن الفساد ، ومنفعة من في شرق الأرض وغربها ، ومن في البرّ والبحر ممّن يحجّ وممّن لا يحجّ من تاجر وجالب ، وبائع ومشتر ، وكاسب ومسكين ، وقضاء حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافع لهم » (٦) .
وفي رواية : « مع ما فيه من التفقّه » (٧)﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ﴾ عند إعداد الهدايا والضحايا وذبحها ﴿فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ﴾ وهي أيّام النّحر ، وقيل : عشر ذي الحجّة (٨)﴿عَلى ما رَزَقَهُمْ﴾ وأنعم عليهم ﴿مِنْ
__________________
(١ و٢) تفسير الرازي ٢٣ : ٢٨.
(٣) الكافي ٤ : ٤٢٢ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٧٤.
(٤) الكافي ٤ : ٢٦٣ / ٤٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٧٤.
(٥) مجمع البيان ٧ : ١٢٩ ، عن الباقر عليهالسلام ، تفسير الصافي ٣ : ٣٧٤.
(٦) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٩٠ / ١ ، علل الشرائع : ٤٠٤ / ٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٧٤.
(٧) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١١٩ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٧٥.
(٨) تفسير الرازي ٢٣ : ٢٩.