﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ﴾ بأن يعظوا الناس ولا يتّعظون ، وينهون عن المنكر وهم لا ينتهون ، ويرغبون الناس في الأخلاق الحميدة ولا يتخلّقون بها ، وفي الأعمال الخيرية ولا يعملون بها ، بخلاف محمد صلىاللهعليهوآله فإنّه من أوّل أمره إلى آخره على طريقة واحدة ، وهي الدعوة إلى الله ، والترغيب في الآخرة ، والتزهيد عن الدنيا ، وبدأ في جميع ذلك بنفسه حيث قال في كتابه : ﴿فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾(١) ثمّ بالأقربين منه حيث قال : ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾(٢) وكلّ ذلك مخالف لطريقة الشعراء ، فعلم أنّه صلىاللهعليهوآله ليس بشاعر.
والحاصل أنّه لمّا نسب المشركون القرآن العظيم من حيث الإخبار بالمغيبات إلى الكهانة وقالوا :
إنّما تنزّلت به الشياطين ، ومن حيث فصاحة الكلام وبلاغته إلى الشعر وقالوا : إنّ محمّدا شاعر ، ردّ الله الخرافتين ببيان منافاة الكهانة والشاعرية لحال الرسول العاقل الكامل الصادق التارك للهوى والدنيا.
ثمّ أنّه روي أنّه لمّا نزلت الآيات الذامّة للشعراء قال حسان بن ثابت وابن رواحة وجمع من شعراء الصحابة : يا رسول الله ، إنّ الله يعلم أنّا شعراء ، ونخاف أن نموت على هذه الصفة ، ونحسب من أهل الغواية والضّلالة ، فقال صلىاللهعليهوآله : « إنّ المؤمن مجاهد بسيفه ولسانه » فنزلت (٣) .
قوله تعالى : ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾ التي منها مدح النبيّ ودين الاسلام وهجو الكفّار ونصرة الرسول ﴿وَذَكَرُوا اللهَ﴾ بأشعارهم ذكرا ﴿كَثِيراً﴾ بأن كانت في إثبات التوحيد ، وبيان المعارف ، وصفات النبي صلىاللهعليهوآله ومدحه ومدح المعصومين من آله وترغيب الناس في الاسلام وزجرهم عن الكفر والعصيان ، والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة والحكمة والموعظة ونظائرها ﴿وَانْتَصَرُوا﴾ وانتقموا من الكفّار بهجوهم ﴿مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا﴾ من قبلهم بالهجو والإيذاء.
روي أنه لمّا هجا المشركون النبي صلىاللهعليهوآله قالت الصحابة : ما منع المؤمنين الذين ينصرون النبيّ صلىاللهعليهوآله بسيوفهم أن ينصروه بألسنتهم ، فقال حسان وابن رواحة : يا رسول الله ، إنّا نكفيهم. فقال صلىاللهعليهوآله : « اهجوهم وروح القدس معكم » (٤) .
وفي رواية قال صلىاللهعليهوآله لحسان : « اهج المشركين ، فانّ جبرئيل معك » (٥) .
وفي رواية عنه صلىاللهعليهوآله ، أنه قال لحسان : « اهجهم ، فو الذي نفسي بيده لهو أشدّ عليهم من [ رشق ] النبل » (٦) .
__________________
(١) الشعراء : ٢٦ / ٢١٣.
(٢) الشعراء : ٢٦ / ٢١٤.
(٣) مجمع البيان ٧ : ٣٢٦ ، الدر المنثور ٦ : ٣٣٤ ، تفسير الصافي ٤ : ٥٧.
(٤) مجمع البيان ٧ : ٣٢٦.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ٣١٧.
(٦) تفسير الرازي ٢٤ : ١٧٦.