محمّد إذا فعلت هذا كلّه أؤمن بك أم لا أؤمن بك ، ولو رفعتنا إلى السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا : إنّما سكّرت أبصارنا وسحرتنا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أبقي شيء من كلامك يا عبد الله ؟ قال : أو ليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ ؟ ! ما بقي شيء ، فقل ما بدا لك ، وأفصح عن نفسك إن كانت لك حجّة ، وآتنا بما سألناك.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : اللهمّ أنت السامع لكلّ صوت ، والعالم بكلّ شيء ، تعلم ما قاله عبادك ، فأنزل عليه ﴿وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ﴾ الآية إلى قوله : ﴿قُصُوراً﴾(١) ، وانزل عليه ﴿فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾(٢) الآية ، وأنزل عليه ﴿وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً﴾(٣) الآية.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أما ما ذكرت من أنّي آكل الطعام ، إلى أن قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وأما قولك لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ، إلى آخر ما قلت ، فانّك اقترحت على محمّد رسول ربّ العالمين أشياء منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا على نبوته ، ورسول الله يرتفع من أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتجّ عليهم بما لا حجة فيه.
ومنها ما لو جاءك به لكان فيه هلاكك ، وإنّما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الايمان لا بما يهلكون به ، وإنّما اقترحت هلاكك ، وربّ العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما يقترحون.
ومنها المحال الذي لا يصحّ ولا يجوز كونه ، ورسول الله يعرّفك ذلك ، ويقطع معاذيرك ، ويضيّق عليك سبيل مخالفته ، ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص.
ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنّك فيه معاند متمرد ، لا تقبل حجة ، ولا تصغي إلى برهان ، ومن كان كذلك فداؤه عذاب النار النازل من سمائه أو في جحيمه ، أو سيوف أوليائه.
وأمّا قولك يا عبد الله لن نؤمن لك حتى تفجر [ لنا ] من الأرض ينبوعا بمكة هذه ، فانّها ذات أحجار وصخور وجبال تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون ، فانّنا إلى ذلك محتاجون ، فانّك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله. يا عبد الله ، أ رأيت لو فعلت كنت من أجل ذلك نبيا ، أ رأيت الطائف التي [ لك ] فيها بساتين ، أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذلّلتها وكسحتها وأجريت فيها عيونا استنبطتها ؟ قال : بلى. قال : وهل لك في هذا نظراء ؟ قال : بلى ، قال : أفصرت بذلك أنت وهم أنبياء ! قال : لا. قال : فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمّد لو فعله على نبوته ، فما هو إلّا كقولك لن نؤمن لك
__________________
(١) الفرقان : ٢٥ / ٧ - ١٠.
(٢) هود : ١١ / ١٢.
(٣) الأنعام : ٦ / ٨.