حتى تقوم وتمشي على الأرض ، أو حتى تأكل الطعام كما ياكل الناس.
وأما قولك يا عبد الله : أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا ، فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ، أو ليس لك ولأصحابك جنان من نخيل وعنب بالطائف تأكلون وتطعمون منها ، وتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا ، أفصرتم بهذا أنبياء ؟ قال : لا. قال : فما بال اقتراحكم على رسول الله أشياء لو كانت كما تقترحون لما دلّت على صدقه ، بل لو تعاطاها لدلّ تعاطيه على كذبه ؛ لأنّه حينئذ يحتجّ بما لا حجّة فيه ، ويخدع الضعفاء عن عقولهم وأديانهم ، ورسول ربّ العالمين يجلّ ويرتفع عن هذا.
ثمّ قال عليهالسلام : يا عبد الله ، وأمّا قولك : أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا ، فانّك قلت : ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ﴾ فإنّ في سقوط السماء عليكم هلاككم وموتكم ، وإنما تريد بهذا أن تهلك ، ورسول رب العالمين أرحم بك من ذلك ولا يهلكك ، ولكنّه يقيم عليك حجج الله ، وليس حجج الله لنبيه على حسب اقتراح عباده ؛ لأنّ العباد جهّال بما يجوز من الصلاح وبما لا يجوز منه من الفساد (١) ، وقد يختلف اقتراحهم ويتضادّ حتى يستحيل وقوعه ، فإنّه لو كان إلى اقتراحاتهم [ واقعة ] لجاز أن تقترح أنت أن تسقط السماء عليكم ، ويقترح غيرك أن لا تسقط السماء عليكم ، بل أن ترتفع الأرض إلى السماء وتقع [ السماء ] عليها ، وكان ذلك تضادّ وتنافي ويستحيل وقوعه ، والله لا يجري تدبيره على ما يلزمه المحال.
ثمّ قال صلىاللهعليهوآله : وهل رأيت يا عبد الله طبيبا كان دواؤه للمرضى على حسب اقتراحاتهم ، وإنّما يفعل به ما يعلم صلاحه فيه أحبّه العليل أو كرهه ، فأنتم المرضى والله طبيبكم ، فان انقدتم لدوائه شفاكم ، وإن تمردّتم عليه أسقمكم ، وبعد فمتى رأيت يا عبد الله مدّعي حقّ من قبل رجل أوجب عليه حاكم من حكّامهم فيما مضى بيّنة [ على ] دعواه على حسب اقتراح المدّعى [ عليه ] إذن ما كان يثبت لأحد على أحد دعوى ولا حقّ ، ولا كان بين ظالم ومظلوم ، ولا صادق ولا كاذب فرق.
ثمّ قال : يا عبد الله ، وأمّا قولك : أو تأت بالله والملائكة قبيلا يقابلوننا ونعاينهم. فانّ هذا من المحال الذي لا خفاء به ، إنّ ربي عزوجل ليس كالمخلوقين يجيئ ويذهب ويتحرّك ويقابل شيئا حتى يؤتى به ، فقد سألتم بهذا المحال ، وإنّما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لا تسمع ولا تبصر ، ولا تعلم ولا تغني عنك شيئا ولا عن أحد.
يا عبد الله ، أو ليس لك جنان وضياع بالطائف وعقار بمكة وقوّام عليها ؟ قال : بلى. قال : أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك ؟ قال : بسفراء ، قال : أ رأيت لو قال معاملوك
__________________
(١) في المصدر : وبالفساد.