المقدسة ، وهكذا سائر أولياء الله. فإذا كان الخوف ناشئا عن المعرفة الناشئة عن التدبّر والتفكّر في الآيات ودلائل المعرفة ، فبهذه المناسبة ذكر هذه الجملة في ذيل الآية الكريمة.
والمراد بالعلماء هم العارفون بالله والمتفكّرون في آياته ودلائل معرفته. ولذا قيل تفكّر ساعة خير من عبادة سنة ، أو أربعين سنة أو أزيد ، لأنّه كلّما زيد في معرفة الشخص زيد في إيمانه ، وكلّما زيد في إيمانه زيد في أجر أعماله ، فإن الأجر زيادته ونقصه على قدر المعرفة زيادة ونقيصة. وبالجملة شرط الخشية معرفة المخشيّ والعلم بصفاته تعالى وأفعاله! فمن كان أعلم به كان أخشى منه. قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : إنّي أخشاكم لله ، أتقاكم له ، لهذه الجهة (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) فهو تعالى غالب في الانتقام ، ومعاقب للمصرّ على طغيانه ، وغفور للتّائب عن عصيانه ، وهذه علّة لوجوب الخشية لدلالته على ما قلناه في ترجمة الكريمة. والذيل يدلّ على ما يوجب الخوف والرجاء اللذين هما المطلوب من العبد. وفي المجمع عن الصّادق عليهالسلام : يعني بالعلماء من صدّق قوله فعله. ومن لم يصدّق فعله قوله فليس بعالم. وعن بعض الأفاضل أنه يجوز دفع اسم الجلالة ونصب العلماء أي (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) على أن تكون الخشية مستعارة للتعظيم ، وفيه بعد لبعد المعنى الذي يجب أن يتبادر إلى الذهن. وفي بعض مؤلّفات المحقّق الطوسي ما حاصله أن الخشية والخوف وإن كانا في اللغة بمعنى واحد إلّا إن الخوف والخشية منه تعالى في عرف أرباب القلوب فرقا ، وهو أنّ الخوف تألّم النفس من العقاب المتوقّع بسبب ارتكاب المنهيّات والتقصير في الطّاعات ، وهو يحصل لأكثر الخلق وأن كانت له مراتب متفاوتة جدا. والخشية حالة تحصل عند الشعور بعظمة الحق وهيبته وخوف الحجب عنه ، وهذه حالة لا تحصل إلّا لمن اطّلع على حال كبرياء عزوجل وذاق لذّة القرب. ولذا قال سبحانه : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ولم يقل إنما يخاف الله. فالخشية خوف خاص ، وقد يطلقون عليه الخوف تسامحا.