الإنسان وخصوصا في هذه الآية الكريمة التي تشير إلى هذا كما لا يخفى على أولى النّهى ، ولمّا بيّن سبحانه وتعالى في الآيتين الكريمتين أحوال بني آدم وارتقاءهم من مرتبة إلى مرتبة وانتقالهم من مقام إلى مقام ، علم أنه ليس له لسان حتى يحمده ويثني عليه بما يستحقه وعلى ما ينبغي لمقام القدس والقدم فلذا هو جلّ وعلا نيابة عن مخلوقه ولطفا منه بهم ، أثنى على ذاته المقدّسة بثناء هو يستحقّه ويستوجبه فقال (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) أي تقدّس ، وأحسن الخالقين صفته تعالى. وفي التوحيد ، عن الرّضا عليهالسلام أنه سئل وغير الخالق الجليل خالق؟ فقال عليهالسلام : إن الله تبارك وتعالى قال فتبارك الله أحسن الخالقين ، وقد أخبر أن في عباده خالقين وغير خالقين منهم عيسى بن مريم خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله ، والسّامريّ خلق لهم عجلا جسدا له خوار ، فلذا جاء بصيغة التفضيل. ولو كان الخلق منحصرا به تعالى لكان مجيئه بصيغة التفضيل لغوا. وأما تأويله بغير التفضيل فخلاف الظاهر ولا سيّما أن أدلّ الأدلة على الشيء وقوعه كما مثّلناه آنفا. وأمّا العطف في الكريمة في بعض مواضعها بثمّ ، وفي الآخر بالفاء فلنكتة وهي أن العطف بثمّ في آية ١٣ لأن وصول السلالة من الطين الى حدّ النّطفة على حسب قواعد الطّبيعة يطول فالإتيان بثمّ الّتي للتّراخي للإشارة الى هذه الجهة ، وكذلك في الآية ١٤ الّتي جيء فيها بثمّ لتلك النكتة ، أي للتّنبيه على أن بلوغ النطفة إلى مستقرّ حصين من ظهر الرجل إذا كان المراد بالقرار هو الرحم وصيرورته فيه إلى مرتبة العلقة على موازين الأسباب العادية قهرا يحتاج إلى مضيّ مدّة مديدة. نعم المراتب الثلاث البعديّة أمور لا تحتاج إلى طول زمان ولذا أتى فيها بالفاء التي وضعت لإفادة التعقيب بلا مهلة. وأما قوله : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً) آخر حيث أتى فيه بثم فلأن خلقه العلقة مضغة والمضغة عظاما وتغطية العظام لحما حتى يستأهل لولوج الرّوح فيه تحتاج إلى مدة طويلة ، وهكذا في الكريمتين المذكورتين بعد تلك الآيات الشارحة لأحوال الإنسان من بدو نشوئه وحدوثه إلى ختم خلقه وتماميّته فإن مرتبة موته بعد طيّ المراتب القبلية ربّما يطول إلى مائة