القشرية والأسماك كانت كثيرة في مدة تكون الأراضي الثانية.
وأما هذا الزمن فتسلطنت فيه الحيوانات الثديية ، وصارت كثيرة العدد ، وإذا استثنينا الحيوانات ذوات الكيس البطني التي تنسب إلى الأراضي الجوراوية وجدنا أن الحيوانات الثديية التي خلقت أولا في الزمن الثالث هي ذوات الجلد الثخين ، وقد خلقت هذه الحيوانات في المدة الأولى من الزمن المذكور ، ثم خلقت حيوانات ثديية فنيت وكانت عجيبة بالنظر لجثتها الهائلة ، وبنيتها وأغلب الأنواع التي خلقت في هذا الزمن لم تنقرض أنواعها ، بل هي على قيد الحياة إلى الآن ، ويضاف إلى رتبة الحيوانات الثديية زواحف جديدة من جملتها أنواع من السمندل في حجم التمساح.
وفي هذا الزمن خلقت طيور لكنها كانت أقل عددا من ذوات الثدي ، وكانت البحار معمورة بكثير من كائنات تنسب إلى جميع الرتب كما في زمننا هذا.
والأزمان ستة : زمن تكون الأراضي الأصلية ، وزمن تكون الأراضي الوسطى ، وزمن تكون الأرض الثانية السفلى ، وزمن تكون الأرض الثانية الوسطى ، وزمن تكون الأرض الثانية العليا ، وزمن تكون الأراضي المسماة توسين وميوسين وبليوسين ، وفي آخر هذا الزمن رسبت الأراضي الطوفانية ، والأراضي التي بعد الطوفان وفيه حصل الطوفان وخلق الإنسان.
ونشرع الآن في ذكر الحوادث التي وقعت فنقول :
(اعلم) أن الأراضي الأخيرة مغطاة في جملة أماكن بطبقة من بقايا غير متجانسة في السهول والأودية ، والمغارات وشقوق الصخور وعلى أسطحة الجبال وجوانبها ، وهذه الطبقة مكونة من مواد مختلفة ناشئة عن قطع انفصلت من الصخور المجاورة لها فالتأكلات التي تشاهد في قاعدة الأودية ، وقد أعانت على اتساع الأودية والرواسب المتراكمة في مكان واحد ، وهي المكونة من مواد متدحرجة ، أي متأكلة بالاحتكاك أثناء انتقالها إلى بعد عظيم دليل على أن انتقال الأجسام الثقيلة إلى مسافات بعيدة ناشئ عن ماء قوي أثر فيها ، فانقذفت أمواج عظيمة على سطح الأرض دفعة واحدة فأخربت جميع ما قابلته في أثناء مرورها ، وتكونت عنها أخاديد غائرة في الأرض ، ثم جذبت ودفعت البقايا التي حملتها أثناء جريانها غير المنتظم ، فالأرض التي تكونت بهذه الكيفية تسمى بالأرض الطوفانية ، والظاهرة التي ذكرناها تسمى بالطوفان ، فإن قيل : ما سبب الطوفان؟ قلنا : إن الله تعالى أراد بحكمته وقدرته أن يجعل في الأرض سبلا وطرقا ويخلق تعالى جبالا تشغل اتساعا عظيما بقرب البحار