(الثالث) : يجوز أن يكون المراد بهذه الزينة كيفية طلوعها وغروبها.
(الرابع) : أن الإنسان إذا نظر في الليلة الظلماء إلى سطح الفلك ، ورأى هذه الجواهر والزواهر مشرقة لامعة متلألئة على ذلك السطح الأزرق ، فلا يشك أنها أحسن الأشياء وأكملها في التركيب والجوهر ، وكل ذلك يفيد كون هذه الكواكب زينة.
(الخامس) : أن الله تعالى زين السماء الدنيا بمقدار عظيم من الأجرام السماوية الفلكية المالئة للفضاء ، وهي لا حد لها ولا يمكن إحصاؤها كما أن القدرة الإلهية لا حصر لمتعلقاتها ، والأرض جرم منها وتنقسم تلك الأجرام باعتبار حركاتها أو طبيعتها إلى نجوم تسمى بالشموس ، وكواكب وتوابع وذوات أذناب ، وكلها بحسب الظاهر مثبة في القبوة المسماة بالسماء الشبيهة بسطح باطن كرة عظيمة تشغل الأرض مركزها ، والمراد بالنجوم المسماة بذلك حقيقة النجوم الثوابت ، وهي يشرق منها ضوء مخصوص بها ، ومنها الشمس ، وتنقسم بالنظر لتلك المقادير إلى نجوم من القدر الأول والثاني والثالث وهكذا إلى ما وراء القدر السادس وهو لا يشاهد جيدا.
(المسألة الثانية) :
حفظها من كل شيطان مارد كما قال تعالى : (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧)) [الصّافات : الآية ٧]. وفي ذلك بحثان : (الأول) : فيما يتعلق باللغة فقوله تعالى : (وَحِفْظاً.) أي وحفظناها حفظا قال ابن عباس : يريد حفظ السماء بالكواكب من كل شيطان مارد يريد الذي تمرد على الله تعالى قيل : إنه لا يتمكن منه.
(الثاني) : أن جعلها زينة وحفظا يقتضي بقاءها ، فإن قيل : هلا يناقض هذا قوله تعالى في سورة تبارك : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) [الملك : الآية ٥].
(قلنا) : ليس معنى رجم الشياطين هو أنهم يرمون بأجرام الكواكب ، بل يجوز أن منفصل من الكواكب شعل ترمى الشياطين بها ، وتلك الشعل هي الشهب ، وما ذاك إلا كقبس يؤخذ من نار والنار باقية ، وقيل في تفسير قوله تعالى : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) [الملك : الآية ٥]. أن الضمير في جعلنا عائد إلى المصابيح ، فوجب أن تكون تلك المصابيح هي الرجوم بأعيانها ، والجواب حينئذ أن هذه الشهب غير تلك الثواقب الباقية.
وأما كل نير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض إلا أن تلك المصابيح منها باقية على وجه الدهر آمنة من التغير ، والفساد ومنها ما لا يكون كذلك.